الأحداث الراهنة ومستقبل المنطقة ٢


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 8119 - 2024 / 10 / 3 - 00:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

الأحداث الراهنة ومستقبل المنطقة ٢
لنكن صريحين، هل يا ترى أنا من الذين فرحوا بمقتل نصر الله؟ أخلاقيا لا أسمح لنفسي أن أكون من الشامتين، وفكريا، سواء سياسيا أو اجتماعيا، أنا ضد القتل. وهنا وبالرغم من أني منذ ٢٠٠٧ تحولت إلى العقيدة الإلهية العقلية اللادينية، ورغم ما عُرِفتُ به من نقد القرآن، ويقيني باستحالة كونه وحيا إلهيا، لا أنكر إن في القرآن بعض ما هو جميل وإنساني، وهنا أورد نصين قرآنيين، يعبران عن موقف إدانة بأقصى درجات الإدانة للقتل، دون أن يعني أن ليس لي ملاحظات على هاذين النصين الجميلين، كما سأبين، وتبقى ربما المشكلة في التأويل، ولو إن فهمها لا ينبغي أن ينفصل عن الروح العامة للقرآن، وهذا بحد ذاته موضع اختلاف حتى عند المؤمنين بإلهية القرآن. النص الأول، وهو الأكثر شهرة، والذي يستشهد به الكثير من المسلمين على البعد الإنساني للإسلام، بقول «مَن قَتَلَ نَفسًا بِغَيرِ نَفسٍ أَو فَسادٍ فِي الأَرضِ، فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَميعًا»، وفي (المضواء) الذي صدر لي مؤخرا، وسيصدر بطبعته الثانية المصححة والمزيدة، اقتصرت على النص «مَن قَتَلَ نَفسًا فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَميعًا»، لأن استثناء إدانة القتل بعبارة «بِغَيرِ نَفسٍ» يشرع لعقوبة الإعدام، التي أدعو كليبرالي إلى إلغائها، وكذلك عبارة «أو فساد في الأرض»، يمكن أن تفهم على نحو بأن كل من ينتقد الإسلام هو مفسد في الأرض، وبالتالي يستحق القتل، مع إدانتنا للفساد بمعناه الإنساني العام، لا بالمفهوم الديني. أما النص الثاني فيقول «وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتي حَرَّمَهَا اللهُ إِلّا بِالحَقِّ»، فهذا يعني أن هناك من القتل ما هو حق، والذي يقرر بمعايير الدين، وخاصة أن القرآن حمال أوجه، والدين متعدد الفهم والاجتهاد والاستنباط والتأويل، بحيث نجد أحيانا إسلاما نقيضا لإسلام آخر، كأنهما دينان مختلفان بل متعاديان في كثير من الأحيان، إن كان على مستوى المذاهب التقليدية، أو على مستوى المذاهب السياسية الإسلاموية، أو عموم صور الفهم للقرآن بقطع النظر عن الانتماء المذهبي والسياسي، وهذا ما نجده أو وجدناه سابقا في الدين المسيحي، وما نجده حتى اليوم في الدين اليهودي، الذي هو الأقرب إلى الدين الإسلامي من الدين المسيحي في الكثير من العقائد والأحكام الشرعية. لكني قبل مدة طرأت على ذهني فكرة أن القول «مَن قَتَلَ نَفسًا بِغَيرِ نَفسٍ» يمكن أن يؤول تأويلا ليبراليا وليس إسلاميا، سواءً كان فهما دينيا محضا غير مسيس، أو إسلامويا، وذلك ليس بمعنى معاقبة القاتل بالقتل، بل إذا فهمناها بمعنى «مَن قَتَلَ نَفسًا بِغَيرِ دَرءِ القَتلِ عَن نَّفسِهِ أَو عَن آخَرينَ»، لاسيما إذا كان درء القتل ليس عن فرد واحد، بل عن مجموعة من الناس، كلما كبر عددهم، كلما كان ذلك مبررا لقتل القاتل الجماعي، إذا لم تكن هناك طريقة أخرى، لإيقافه عند حده، ومعاقبته بما يستحق كالحبس مدى الحياة، وهذا الذي كنت أتمناه حتى لصدام حسين، رغم كل بشاعة جرائمه بحق الشعب العراقي، لكني أتفهم من ناحية أخرى للتعجيل آنذاك بإعدامه، طالما كان هناك موالون صداميون، كانوا سيبقون يعيثون في العراق فسادا، آملين أن يخرج يوما صدام من زنزانته، ليعود إلى حكم العراق واستعباد شعبه، هذا بعيدا عن طريقة إعدامه، إذ جعلوه إعداما طائفيا، كما جعلوا محاكمته محاكمة طائفية بامتياز، كما وأعطوه بغبائهم وجهلهم وطائفيتهم الفرصة أن ينتهي لحظة إعدامه كبطل قومي، مع تحديهم لمشاعر المسلمين بتنفيذ الإعدام صبيحة العيد. وأيضا استثناء النهي عن القتل بعبارة «إِلّا بِالحَقِّ»، فهنا أقص يوم افتتحت إحدى الدورات النيابية السابقة في العراق بالجلسة الأولى، فافتتح أحد المعممين من حزب الدعوة الذي اعتزل السياسة مؤخرا، والذي أعتبره بسيطا سياسيا ودينيا وفكريا؛ افتتح الجلسة الأولى بتلاوة القرآن، فاختار ما يتضمن قول «وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالحَقِّ»، فكتبت حينها ناقدا، إن المشكلة هنا، بل والمشكلة تكون أكبر عندما يترك للإسلاميين أو المسلمين المتعصبين تشخيص ما هو قتل حق، كحكم الإعدام الذي أصدره خميني بحق سلمان رشدي، والعديد من المفكرين المصريين الذي تم اغتيالهم، وكذلك قتل الميليشيات الإسلاموية الشيعية (الشيعسلاموية) للعديد من المعارضين لهم، وقتل النظام الإيراني لمئات المعارضين. وهنا أذكر يوم أدخل نصر الله لبنان الحرب مع إسرائيل عام ٢٠٠٦ وكان ما كان، حيث كتبت حينها أنتقده، قائلا بما مضمونه، حتى لو افترضنا أن الحرب كانت على حق، فليس من حق شخص واحد أو حزب واحد أن يتخذوا قرار إدخال بلد بكامله في حرب، متجاوزين إرادة أكثرية ذلك الشعب، ومتجاوزين الدولة، فوصلني تهديد من لبناني من حزب الله في هامبورغ، إنهم سيقطعون لساني، لو تعرضت مرة أخرى لحسن نصر الله. ونعلم إن حزب الله هو الذي نفذ بأمر إيراني عملية اغتيال قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في برلين، بقيادة إيراني متزوج بلبنانية من حزب الله، ذلك سنة ١٩٩٢، وهذا ما نعرفه يقينا.
كتبت المقالة بكامل حلقاتها في ٠١/١٠/٢٠٢٤