عندما تدخل الدين


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 7986 - 2024 / 5 / 23 - 12:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

﴿اِخلَع نَعلَيكَ إِنَّكَ فِي الوادِي المُقَدَّسِ طُوى﴾
أو «اِخلَع عَقلَيكَ* إِنَّكَ فِي النَّفَقِ المُقَدَّسِ (دين)» *: فالعقل عقلان؛ العقل الفلسفي المميز بين الصواب والخطأ، والعقل الأخلاقي المميز بين الحسن والقبيح، فدع عقلك، لينبئك الدين وحده الصواب من الخطأ والهدى من الضلال والحسن من القبيح والمعروف من المنكر.
الدين دولة قائمة بذاتها، لها حدودها، وقوانينها، ولذا عندما تدخل هذه الدولة، أي الدين، لابد أن يكون في حوزتك جواز سفر معترف به من هذه الدولة، ولا بد أن تكون قد حصلت على تأشيرة دخول، وهناك أجور لتأشيرة الدخول إلى دولة الظلام هذه أي (الدين). أجور تأشيرة دخول الدين التي عليك دفعها للحصول على التأشيرة، هي عقلك، الذي يجب عليك أن تقدمه قربانا للصنم الذي ستعبده، لسنين أو عقود أو للعمر كله، وهذا الصنم هو الدين، وسائر الأصنام الملحقة به، من نبي وصحابة عدول وخلفاء راشدين وأئمة معصومين ورجال دين ومجتهدين ومراجع تقليد، ومن شرائع وطقوس وكتب، قيل أنها مقدسة، ونسبت إلى الله، أو لنقل طليت بطلاء القداسة.
عندما قدمت عقلك قربانا لأصنامك، عندها أصبحت في مأمن من الشيطان، باعتبار أن العقل هو أهم مدخل من مداخل هذا الوهم المسمى بالشيطان، وأصبحت آمنا على نفسك من سوء العاقبة والارتداد عن الدين. وهنا أصبحت مؤهلا لأن تعيش بين كم هائل من الأوهام، بل حتى أنت نفسك، قد تتحول إلى مجرد وهم، لأنك لا تكون مؤمنا بالدين حق الإيمان، خائفا من الصنم متقيا حق التقوى، إلا بعد أن تكون مستعدا لصهر شخصيتك في بوتقة الجماعة المتقية اللاغية عقولها، والتي استعاضت عنه بالعقل الجمعي، والعقول المختلة لكهنة الدين، التي تفكر نيابة عنك لتوفر عليك عناء التفكير، الذي له مزالقه (الشيطانية)، التي لا تحفظ نفسك من الانزاق في مزالقها، إلا إذا استطعت أن تحتقر عقلك، ثم تدعي هذه العقول اللاعاقلة أو اللاصادقة، أن ما تقدمه لك إنما هو من السماء.
لكن هناك القليلون الذين يبدأ عقلهم بعد حين يتململ، وكلما تردعه التقوى، كلما يعود مرة أخرى يتململ، ثم يشتد تململه مرة بعد أخرى، حتى يستعيده دفعة واحدة، أو بالتدرج استعادة بعد استعادة، وعندها يدرك ذلك الإنسان إدراكا يتنامى عند البعض تدريجيا، بينما يحصل ذلك عند البعض الآخر بما يشبه الطفرة الفجائية، لكن التي لها مقدماتها، التي تكون عند البعض بائنة، وعند البعض الآخر، غاطسة في اللاوعي، أو يتخذ التدرج عند فريق آخر في اكتشاف عقله فترة قصيرة نسبيا.
هذه الصيرورة تستمر عند البعض سنوات، وعند البعض الآخر عقودا من الزمن. لكن الذين يفصحون عما آلت إليه عقولهم التي استيقظت من سباتها هم للأسف القلة، بينما الأكثرية نراها تخاف وتتخفى، وتبقى تمارس ما يسمى بالتقية. فهؤلاء قدموا عقولهم قربانا للدين الذي آمنوا به فترة من عمرهم، عندما كانوا (متدينين)، ثم قدموا بعد ذلك حريتهم قربانا لهذا الصنم، الذي كفروا به، عندما أصبحوا (مرتدين) وكثير منهم لا يلامون، فسيف الإرهاب النفسي يبقى مشهورا فوق رؤوسهم.
كتبت في ١٥/٠٥/٢٠٢٤، وروجعت للنشر في ٢٠/٠٥/٢٠٢٣