القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٦١
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8008 - 2024 / 6 / 14 - 17:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٦١
وَأَنزَلنا إِلَيكَ الكِتابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِّما بَينَ يَدَيهِ مِنَ الكِتابِ وَمُهَيمِنًا عَلَيهِ فَاحكُم بَينَهُم بِما أَنزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِع أَهواءَهُم عَمّا جاءَكَ مِنَ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلنا مِنكُم شِرعَةً وَّمِنهاجًا وَّلَو شاءَ اللهُ لجَعَلَكُم أُمَّةً وَّاحِدَةً وَّلـاـكِن لِّيَبلُوَكُم في ما آتاكُم فَاستَبِقُوا الخَيراتِ إِلىَ الله مَرجِعُكُم جَميعًا فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم فيهِ تَختَلِفونَ (٤٨)
هذه الآية تؤكد مرة أخرى تصديق القرآن لكتب لا وجود لها، فهي تقول إن الكتاب التي هي منه، قد أنزل إلى نبي المسلمين مصدقا لما بين يديه، ولم نعرف ما هذه الكتب التي بين يديه التي جاء القرآن مصدقا لها، في الوقت الذي يعتبر القرآن إن ما عند اليهود والمسيحيين أو النصارى هي النسخ المحرفة، إذن مطالبته بأن يحكم بين أهل الكتاب بما أنزل الله لا يعني إلا أن يحكم بالقرآن. وتنقض الآية نفسها بإقرار بأن الله جعل لكل أتباع دين شريعتهم، ويقر بتعدد الأمم أي تعدد الأديان والشرائع، في الوقت الذي لا يعترف إلا بالشريعة الخاتمة والناسخة، أي شريعة الإسلام. ولكن تبدو هذه الآية أكثر ليبرالية في قبول التعددية الدينية، وتعتبر التعددية والاختلاف بين الشرائع ابتلاءً أي امتحانا للناس، ولذا تعطي الآية أولوية للخيرات، أي السلوك الإنساني الصالح، الذي تحث على التنافس والتسابق فيه، وعدم الاستغراق في الاختلافات، التي تنصح بإرجائها إلى وقت إنباء الله لنا فيما كنا نختلف فيه في الحياة بعد هذه الحياة. وكم كان جميلا لو سار القرآن على هذا المنهج، ولم يكتض بنصوص الكراهة والعداوة والبراءة والتكفير والقتال.
وَأَنِ احكُم بَينَهُم بِما أَنزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِع أَهواءَهُم وَاحذَرهُم أَن يَّفتِنوكَ عَن بَعضِ ما أَنزَلَ اللهُ إِلَيكَ فَإِن تَوَلَّوا فَاعلَم أَنَّما يُريدُ اللهُ أَن يُّصيبَهُم بِبَعضِ ذُنوبِهِم وَإِنَّ كَثيرًا مِّنَ النّاسِ لَفاسِقونَ (٤٩)
وهذه الآية تؤكد على وجوب الاحتكام إلى القرآن لا غير، وأي مطالبة بالاحتكام إلى غيره، هي بمثابة اتباع لهوى ورغبات المطالبين بذلك، ثم تحذر الآية النبي من أن يفتتن بما يقترح عليه فيما يحتكم إليه من غير القرآن، ولو بمخالفة بعض وليس كل مفردات الشريعة الإسلامية، وتعتبر عدم قبولهم بالاحتكام إلى القرآن بما عبر عنه بالتولي عنها، اعتبره من الذنوب والمعاصي، التي سيعاقبهم الله عليها، ويعتبر عدم الاحتكام إلى شريعة الإسلام فسقا، وهذا ما يصعب علينا فهمه، لأن القرآن يعتبر إن مجرد عدم تحول هؤلاء إلى الإسلام كفرا، ومصير الكافر أي غير المؤمن بالإسلام هو تأبيده في نار جهنم، فما معنى الكلام هنا عن الذنب والفسق أي المعصية، مما هو دون مرتبة الكفر، لأن الفسق يوصف به حتى المسلم العاصي لتعاليم الإسلام، فهو عندئذ مسلم فاسق وليس كافرا.
أَفَحُكمَ الجاهِليةِ يَبغونَ وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللهِ حُكمًا لِّقَومٍ يّوقِنونَ (٥٠)
ثم تأتي هذه الآية لتؤكد إن الاحتكام إلى غير شريعة الإسلام هو بمثابة احتكام إلى قوانين الجاهلية، والجاهلية هي مصطلح كما نعرف أطلق على زمن ما قبل الإسلام وأحكام وعقائد ذلك الزمن، ويبقى المصطلح ساريا، بتطبيقه على كل ما يخالف الإسلام، وتؤكد الآية إن أفضل القوانين التي يجب الاحتكام إليها حصرا هي ما تمثل حكم الله، وحكم الله هو حكم الإسلام حصرا.
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذُوا اليَهودَ وَالنَّصارى أَولِياءَ بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ وَّمَن يَّتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللهَ لا يَهدِي القَومَ الظّالِمينَ (٥١)
وهنا يأتي نهي المسلمين عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، والتولي يعني المصادقة والتعاون والتناصر، ومن يصادق ويناصر هؤلاء فهو منهم، وبما أن الإسلام اعتبرهم كافرين، فيكون من يفعل ذلك كافرا مثلهم، ومصير الكافر معروف، لكن الغريب إن هذه الآية تنعت الذي يتولون الكافرين بالإسلام من أهل الكتاب بالظالمين، بالرغم من أنها اعتبرتهم منهم، أي كافرين مثلهم.
فَتَرَى الَّذينَ في قُلوبِهِم مَّرَضٌ يُّسارِعونَ فيهِم يَقولونَ نَخشى أَن تُصيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَن يَّأتِيَ بِالفَتحِ أَو أَمرٍ مِّن عِندِهِ فَيُصبِحوا عَلى ما أَسَرّوا في أَنفُسِهِم نادِمينَ (٥٢)
ويعتبر أولئك الذي يتولون غير المسلمين عموما وأهل الكتاب خصوصا مرضى القلوب، لأنهم يخافون ألا يحقق المسلمون النصر على غير المسلمين، فتصيبهم دائرة السوء إذا غلب المسلمون، ثم تحتمل الآية تحقيق المسلمين للنصر، خلاف ما يتوقع هؤلاء فيندموا على عدم معاداة غير المسلمين نصرة للإسلام.
وَيَقولُ الَّذينَ آمَنوا أَهـاـؤُلاءِ الَّذينَ أَقسَموا بِاللهِ جَهدَ أَيمانِهِم إِنَّهُم لَمَعَكُم حَبِطَت أَعمالُهُم فَأَصبَحوا خاسِرينَ (٥٣) يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا مَن يَّرتَدَّ مِنكُم عَن دينِهِ فَسَوفَ يَأتِي اللهُ بِقَومٍ يُّحِبُّهُم وَيُحِبّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلىَ المُؤمِنينَ أَعِزَّةٍ عَلىَ الكافِرينَ يُجاهِدونَ في سَبيلِ اللهِ وَلا يَخافونَ لَومَةَ لائِمٍ ذالِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتيهِ مَن يَّشاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَليمٌ (٥٤)
لنتجاز الآية (٥٣) ونتناول التي بعدها، التي تعبر وغيرها كثير في القرآن، عن هاجس مؤلفه ومؤسس الإسلام، أن يرتد البعض عن الدين الجديد الذي التحقوا به، لأي سبب مقبول أو غير مقبول، ويعبر عن عدم حاجته إليهم في حال ارتدوا فعلا، لأنه يتوقع، وهذا ما تحقق له، أن يأتي غيرهم بديلا عنهم، يكونون مستعدين للقتال أكثر من الذين ارتدوا بسبب خوفهم من القتل في حال شاركوا المسلمين مقاتلة الكافرين أي غير المؤمنين بالإسلام، ويعتبر هؤلاء الأشداء في القتال، والمستعدين لمواجهة الموت في سبيل الإسلام مستحقين لأن ينالوا حب الله لهم، كما يحبونه هم، إما حبا حقيقيا لله من قبل بعضهم، من خلال قناعتهم العميقة، أن الدين الذي يقاتلون من أجل نصرته هو دين الله، أو حبا لنصرة المجموعة التي انتموا إليها، كأي أناس يدافعون عن الفئة التي ينتمون إليها، سواء كانت دينا أو عرقا أو قبيلة، عندما يتحول أي من ذلك إلى هوية تلك الفئة، علاوة على أن هؤلاء حسب وصف مؤلف القرآن لهم لا يخافون لومة لائم من أصدقائهم ومعارفهم وأهليهم الناصحين لهم أو الناقدين لهم تعريض أنفسهم للموت من أجل قضية حسب تقديرهم لا تستحق أن يموت المرء من أجلها.