الأحداث الراهنة ومستقبل المنطقة ٤


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 8121 - 2024 / 10 / 5 - 01:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

وأخير أحب أن أتناول بعض المعممين الشيعة الناقدين لحزب الله، والذين أصبحوا نجوم الفضائيات، لاسيما العربية، إذ أصبح أحدهم نجما لامعا، لا يمر يوم إلا ويبث حوار مفصل معه، وأعترف أني أحد المهتمين بمتابعته، ولذا فنحن نتفق مع الكثير من طرحه، ثم يبدو فعلا أنه واسع ودقيق الاطلاع، لكنه لا يخفي ولاءه للسعودية، التي يقودها اليوم من الناحية الفعلية ولي العهد، صاحب الانفتاح الاجتماعي لا السياسي من جهة، ولكن الديكتاوري الدموي سياسيا من جهة أخرى. كما تابعت معمما آخر (بعمة بيضاء) في إحدى الولايات الأمريكية، فرغم اتفاقنا مع أكثر ما قاله، إلا أننا عندما نراه قد وضع خلفه أحد الرسوم العاشورائية التي يستخدمها عادة ليس عقلاء الشيعة، بل بسطاؤهم وجهلاؤهم أو مغالوهم، يمكن أن نعرف خلفيته الفكرية، مما يجعلنا لا نعول إلا بحذر على مثل هؤلاء، وعرفنا سابقا أمثالهم في العراق.
وأخيرا أحب أن أبين نقطة مهمة، فأنا كعلماني ديمقراطي، عندما حاولنا تأسيس ما أسميناه (التجمع العلماني العراقي) أكدت على أننا كحزب علماني لا نتعرض للدين، لا دفاعا عنه وترويجا له، ولا نقدا له، وهذا كان ليس كقاعدة ثابتة، بل ما تتطلبه الحكمة، بلحاظ الظرف الزماني الآني، والظرف المكاني المتمثل بالعراق، وأكدت وجوب عدم التعرض للدين خاصة من قبل الأشخاص الذين يمكن أن يحسب رأيهم على الكيان السياسي الذي أردنا تأسيسه، وفي المحافل العامة. وهذا ما لم ألتزم به في هذه المقالة، أو لأن ذلك المشروع السياسي لم نستطع تأسيسه، بسبب شروط قانون الأحزاب الجائرة، ولأني لم أعد سياسيا، أي بمعنى المزاول المباشر للفعل السياسي، رغم ما أحمل من فكر سياسي، وهم واهتمام سياسيين، مع ضعف يعاب عليّ في المتابعة الدقيقة اليومية لتفاصيل الحدث السياسي، لاسيما العراقي.
هنا تكملة أكتبها في اليوم التالي، من كتابتي كامل المقالة، إذ أرسلتها كاملة إلى صديقين راجيا منهما إبداء الرأي فيها، فجاءني من أحدهما اعتراض على دعوتي في المرحلة الثالثة إلى علمنة الدولتين، كون إسرائيل كما يعتقد هي دولة علمانية، ولذا أحب أن أبين فهمي للدولة العلمانية، كمفكر سياسي، وليس كناقل فقط من ثمة مصادر، فالدولة العلمانية يشترط فيها حسب فهمي كما بينت أن تعتمد ما يلي:
1. الفصل بين السياسة والدين، مما يعني فيما يعني عدم جواز تأسيس حزب سياسي على أساس ديني، وهذا غير متحقق في إسرائيل، لوجود أحزاب يهودية يمينية متطرفة دينيا. وأستاذ العلوم السياسية، أو عالِم السياسة ذو الرأي المخالف لي في هذا المجال، ينفي هذه الحقيقة من جهة، ثم يعود لتأكيدها من جهة أخرى، فنفيه لذلك يقصد به وقت تأسيس دولة إسرئيل، بينما أنا لا أتحدث عن التأسيس، إنما أتحدث عن الواقع الراهن، فيقول إن الأحزاب الدينية ظاهرة حديثة، بينما الصهيونية التي أسست على أساسها دولة إسرائيل كانت صهيونية علمانية، ولذا كفرتها المجموعات الدينية المتطرفة (الحريديم) ولم تبرز الأحزاب الدينية إلا بعد حرب ١٩٦٧، إذن ليس هناك نفي لوجود ما يمكن تسميته بأحزاب اليهودية السياسية، كما هي أحزاب الإسلام السياسي.
2. ألا تكون الدولة خاصة بأتباع دين محدد، وهذا غير متحقق، كون إسرائيل تطرح نفسها دولة للشعب اليهودي. هنا يختلف هذا الأستاذ المتميز معي بقوله أن اليهودية تعتبرها إسرائيل قومية وليس دينا، فاعتبار إسرائيل أو أي دولة لأمر يخالف الواقع، على الأقل عند من يراه مخالفا للواقع، لا يجب التسليم به، وإلا فمثلا معظم الدول المسماة بالعربية، هي ديمقراطية في دساتيرها، لكن ولا واحدة هي ديمقراطية في واقع أنظمتها.
3. بما أن العلمانية التي ندعو إليها لا تنفك عن الديمقراطية، ومن شروط الدولة الديمقراطية أن تقوم على مبدأ المواطنة، وهذا الآخر غير متحقق بسبب ما ذكر في أعلاه. أما هنا فهو من حيث المبدأ لا يختلف هذا الأستاذ معي، بل خطأني فقط بقوله أن العلمانية لا علاقة لها بالديمقراطية، ويبدو إنه لم يلتفت إلى عبارة «إن العلمانية التي ندعو إليها لا تنفك عن الديمقراطية»، فأنا منذ بداية دعوتي إلى العلمانية في الثلث الأخير من ٢٠٠٦ كنت أؤكد على أننا نريد علمانية مقترنة بالديمقراطية، ولم أقل إن العلمانية هي ديمقراطية بالضرورة، فنحن نعلم أن هناك علمانيات راديكالية، كما كان في دول ما كان يسمى بالمعسكر الاشتراكي، وأعلم إنه يرجح استخدام الليبرالية بدل العلمانية، باعتبار أن الليبرالية هي علمانية بالضرورة، بينما العلمانية ليست ليبرالية بالضرورة، وهنا أقول نعم، أنا وهو، وأمثالنا الاثنين أصحاب نهج سياسي – وبالنسبة لي اجتماعي أيضا - ليبرالي، وشخصيا أدعو إلى ليبرالية اجتماعية، أعني هنا بالاجتماعية العدالة الاجتماعية، كما أدعو إلى علمانية ديمقراطية، فإذا كانت الليبرالية تمثل خصوصيتنا الاثنين، والليبرالية الاجتماعية تمثل خصوصيتي ومن يوافقني، فالليبرالية تصلح كخصوصية لكن لا كمشترك ديمقراطي علماني، لأن هذا يعني استثناء قوى ديمقراطية علمانية غير ليبرالية، كقوى اليسار الديمقراطي، رغم نقدنا نحن الاثنين لليسار العراقي، والنقد والاختلاف غير العداء طبعا، من هنا أؤكد كمشترك على الديمقراطية العلمانية، ففرق بين قول إني أدعو إلى علمانية ديمقراطية، وقول إن العلمانية هي ديمقراطية بالضرورة، مما لم أقله، لكي يختلف معي ويخطئني، ويجري الاعتراض على شكل العلمانية التي أتطلع إليها لفلسطين وإسرائيل والعراق، وكل دول الشرق الأوسط، الناطقة أكثريتها بالعربية أو غيرها.
4. ألا تشتمل مناهج التربية والتعليم وكذلك الإعلام على ثقافة الكراهة تجاه الآخر الديني والآخر القومي، وهذا هو الآخر غير متحقق في إسرائيل.
5. الفصل بين قوانين الدولة وقرارتها وبين أحكام الشريعة الدينية، وهذا وحده من مجموع الشروط الخمسة هو المتحقق في إسرائيل، مما يجعل البعض – منهم هذا الأستاذ الكبير - يتوهم بأن إسرائيل دولة العلمانية.
واستغنيت عن مناقشة بقية النقاط، التي طرحها الصديق عالم السياسة المختلف معي، لأنها نقاط ليست خلافية، كما يظن، رغم إن معرفته بي تحتم عليه معرفة ما أفكر به سياسيا، ولا يؤولني إلى غير ما أعتمده، مع كل احترامي ومحبتي له، وربما تكمن المشكلة فيما تكمن فيه في الاختلاف بين عالم السياسة والمفكر السياسي.
وهناك سبب مهم في حصول هذه الشبهة، كون بعض من يعتبر إسرائيل دولة علمانية، هو تصوره إن كل دولة غير دينية، فهي علمانية بالضرورة، ولا يوجد منطقيا مثل هذا التلازم، ولأن المعترض عراقيا، أقول العراق الآن ليس دولة دينية، فهل هذا يكفي لاعتبار جمهورية العراق دولة علمانية؟ بالتأكيد لا. وربما يأتي هذا الخلط عند البعض، بسبب عدم التمييز بين العلوم السياسية والفكر السياسي، فالمفكر السياسي، خلاف العالم السياسي، له رؤيته الخاصة، حتى لو لم تكن مأخوذا بها حاليا، فلا يمنع أن يؤخذ بها في المستقبل، فكل مبادئ الحداثة في أوروپا إنما وضعها المفكرون، وليس أكاديميو العلوم السياسية وحدهم. ثم كون إسرائيل ليست دولة علمانية، لست الوحيد القائل بذلك، بل وجدته في مصادر باللغة الألمانية، والذي لا أعرف لماذا يصر هذا الصديق على أنني الوحيد القائل بعدم علمانية إسرائيل. فحتى لو كان هناك من يعترض على ما سأنقله من المصدر الألماني، فهو يدل على الأقل، أني لست الوحيد القائل بذلك، بل هو ما تقوله مصادر علمية معتبرة. وأنقل للقراء الكرام ترجمة النص الذي وجدته:
«بشكل عام بسبب الإقحام الواضح للدين في الشأن العام في إسرائيل، لا تعتبر إسرائيل دولة تعتمد الفصل بين الدولة والدين، لذا لا يمكن اعتبار إسرائيل دولة علمانية (لائية)»، وأدناه النص باللغة الألمانية، لمن يععرفها.
Insgesamt betrachtet, kennzeichnet die bis heute prägende religiöse Durchdringung des öffentlichen Lebens Israel als einen Staat, in dem es keine klare Trennung von Staat und Religion gibt. 17 Israel kann daher nicht als laizistischer Staat bezeichnet werden.
كتبت المقالة بكامل حلقاتها في ٠١/١٠/٢٠٢٤ وأكملت الحلقة الأخيرة في ٠٤/١٠/٢٠٢٤