السيستاني ما له وما عليه 2/4
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن
-
العدد: 7748 - 2023 / 9 / 28 - 18:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لنحسن الظن بالسيستاني، ونقول إنه أحسن الظن بالإسلاميين، كونهم متدينين، وبالتالي (يخافون الله) جدا، لكنه لم يعبر، ولو بشكل غير مباشر، عن خيبة أمله فيهم وإغلاق بابه أمام استقبالهم، إلا في وقت متأخر جدا، فأنا الذي اكتشفت مساوئهم سنة 2005، سبقته بما لا يقل عن عقد كامل، حتى يكتشف سماحته حقيقتهم. فأقول حتى لو كنت أؤمن بشرعية قول الفقيه، فإنه في السياسة غالبا لا يملك الوعي الكافي ولا الخبرة والتجربة، ولذا كما يقال لا يجوز أن يجرب برأس الشعب العراقي. ثم حتى بعد اكتشافه لخطأه في تقييم الإسلاميين، ومدى كفاءتهم ونزاهتهم، أما كان ينبغي له أن يعتذر للشعب العراقي، باعتباره كان عاملا أساسيا، وأهم من العامل الإيراني بأضعاف مضاعفة في تمكين هذه الطبقة السياسية على حاضر ومستقبل الشعب العراقي، كمن يكون سببا في نزول كارثة ما على شعب ما، أفلا توجب عليه التقوى التي هي من شروط مرجع التقليد أن يستغفر ربه ويتوب إليه، ثم يطلب من الشعب العراقي أن يسامحه على خطأه ويبرئ له الذمة كما يعبر المتشرعة. وقلتها مرة في مقالة قديمة، إنه لا يجب أن يعتذر بشكل مباشر وواضح، لأن هذا في ثقافتنا لا يناسب شأن المرجع، بل أن قولها بلغة تناسبه، يفهم منها الاعتذار. لكن هيهات.
مع هذا أقول إن السياستاني الذي كان نقمة على الشعب العراقي، كان من جهة أخرى رحمة لهذا الشعب. فلو نظرنا إلى بقية الفقهاء الثلاثة إسحاق الفياض وبشير النجفي والراحل محمد سعيد الحكيم، فهم لا يملكون أدنى مستوى من الوعيين السياسي والاجتماعي، بحيث لو كان أحد هؤلاء الثلاثة هو الذي قام بدور السيستاني، لكانت الكارثة أعظم بكثير. أما لو كان محمد الصدر (محمد محمد صادق) قد بقي على قيد الحياة، ولم يكن صدام قد أوعز بتصفيته مع أولاده في أحد شوارع النجف، لكان الصدر قد أعلن نفسه وليا شرعيا على العراق، لأنه كان يؤمن بولاية الفقيه، مع اختلافه مع ولاية الفقيه الخمينية الخامنئية، وكذلك اختلاف محمد حسين فضل الله فيها مع الإيرانيين، ألا هو تبني تعددية الأولياء الفقهاء، بعكس النظرية الخمينية التي تذهب إلى وحدة الولي الفقيه النافذ مفعولها على كل الأمة الإسلامية، أو على الأقل على كل الأمة الشيعية، كما هي نظرية الخلافة عند السنة، لأن ولاية الفقيه عند القائلين بها هي امتداد لنظرية الإمامة (المعصومة) رغم عدم عصمة الفقيه، لكن تريد النظرية أن يطاع الفقيه بالمطلق كما لو كان معصوما، أي أن يكون أمره ونهيه بمثابة أمر ونهي الله.
ونحن نعلم أن محمد الصدر لم يكن على وفاق مع السيستاني، ولذا كان يقارن بين ما أسماه بالحوزة الناطقة، ويعني بها حوزته ومرجعيته، والحوزة الصامتة، ويعني المرجعيات التقليدية غير القائلة بالإسلام السياسي عموما، وبحوزة ومرجعية السيستاني على وجه الخصوص، ولذا بقي الصدريون بعد سقوط صدام يذهبون إلى بيت السيستاني آخذين معهم وسادة هدية للمرجع، بما يعني أن مرجعيته ليست ساكتة فقط، بل هي المرجعية النائمة، لأنها لم تتصد لمواجهة صدام، كما فعل الصدر، ولأنها لم تفت بمقاومة الاحتلال الأمريكي. فمحمد الصدر علاوة على ما ذكرته بأنه كان سيعلن نفسه الولي الفقيه على العراق، ومن لمحتمل جدا كان سيعمل على جعل العراق جمهورية إسلامية كما فعل الخميني، كان سيفتي بالوجوب ربما ليس الكفائي بل العيني أي الواجب على كل رجل قادر على حمل السلاح بالجهاد ضد الاحتلال الأمريكي، لذا وقى الله العراق ما كان سيترتب على إعلان الصدر ولايته المطلقة واجبة الطاعة على العراق. طبعا لا يوافقني على ذلك إلا المطلع بدقة على الآراء الفقهية السياسية للصدر، الذي كمثال كان يحرم على مقلديه الائتمام في صلاة الجماعة بوكيل أو مقلد لمرجع لا يقول بوجوب صلاة الجماعة، مع العلم إن حتى خميني وخامنئي لا يقولان بوجوب إقامة الجمعة، رغم أن الخميني هو الذي أحياها عمليا وليس شرعيا بعد إقامة جمهوريته البائسة، لأن تقريبا كل فقهاء الشيعة يقولون بوجوب الجمعة فقط عندما يقيمها أو يأمر ويكلف بإقامتها الإمام المعصوم، أي أنها تبقى معطلة لحين ظهور الغائب المنتظر. ومن القليلين الذين قالوا بالوجوب المشروط لحضور الجمعة في زمن الغيبة هو محمد باقر الصدر، الذي لم يقل بوجوب إقامتها، لكن بوجوب حضورها، إذا أقيمت بشروطها، وإذا كان المكلف موجودا ضمن الدائرة الشرعية الموجبة للحضور بحيث لا يبعد عن مكان إقامتها أكثر من خمسة فراسخ، أي خمسة كيلومترات وثلاثة أرباع الكيلومتر. وشخصيا كنت أستغرب من عدم قول فقهاء الشيعة بوجوب إقامة الجمعة إلا بوجود المعصوم، لكني عندما عدت إلى العراق بعد سقوط الديكتاتور، وسمعت هذيانات خطباء الجمعة من الطائفتين، قلت الآن أدركت الحكمة بعدم وجوب إقامة الجمعة إلا من قبل المعصوم، إذا افترضنا وجود المعصوم أصلا، بل كان الأولى ليس الإفتاء بعدم الوجوب، بل بعدم جواز إقامتها أصلا، لكون ضررها أضعفا نفعها، ذلك بعدما رأيت الآراء الساذجة أو المتطرفة وغير الحكيمة من خطباء الجمعة، يوم كنت ما أزال إسلاميا، ثم مع وجود جمهور من المتلقين البسطاء الذين كلما قال خطيب الجمعة، فكأنه هو ما قاله الله بالنسبة إليهم.