لماذا كتابي (القرآن والمضواء)؟


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 8038 - 2024 / 7 / 14 - 18:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

[email protected]
ربما سمع كثيرون عن اشتغالي منذ وقت غير قصير على مشروع كتاب بعنوان (القرآن والمضواء)، كعنوان استقر علي قراري وبالتنسيق مع دار النشر، بعدما كان اسمه في البداية (القرآن وقرآن آخر)، ثم أسميته (المضواء قبال القرآن)، فورد الآتي في سؤال أو رجاء السيدة المحترمة التي طلبت مني ذلك «ممكن أن تتعرض لنا بإيجاز فكرة كتابك المضواء والهدف منه». فهذا حثني على أن أكتب إجابة فيها شيء من التفصيل، وليس كجواب موجز، متجنبا الإسهاب، وأجعل جواب مقالة أنشرها على (الحوار المتمدن). واقتبست إجابتي من مقاطع من مقدمة وخاتمة الكتاب، مع حذف وإضافة.
الكل أصبح يعرف أني بعدما كنت لثلاثين سنة مؤمنا بالإسلام، ملتزما به وداعيا معتدلا إليه، تحولت بعد مخاضات سنة ٢٠٠٧ إلى إلهي عقلي لاديني، وما يسميه البعض خطأً بالربوبي، ولا أريد أن أبين الآن سبب تخطيئي لهذا المصطلح. وحيث كان اشتغالي كمحاضر ديني معتدل ومنفتح، وبشكل خاص في العقد الأخير، يتركز على القرآن، حيث كنت بعدما أقرر موضوع محاضرتي المفاهيمية أو العقائدية أو الأخلاقية، أستخرج النصوص القرآنية ذات العلاقة، ثم أرتبها موضوعيا. ثم بعدما وصلت إلى اليقين بأن القرآن وكل ما سواه من كتب مقدسة وأديان هي نتاج بشري، لكل منها ما له، وعليه ما عليه، أصبح اشتغالي في نفي الدين، وتفكيك التلازم بين الإيمان والدين، منصبا على القرآن، لما للقرآن من قابلية على جعل الإنسان يبتعد من حيث لا يشعر عن التدبر، غضا بصره وبصيرته عن كل ما يتعارض مع العدل الإلهي ومع الرحمة والحكمة والمثل الإنسانية والحقائق العلمية. لذا فمن أهدافي أن أبين إن التلازم بين الإيمان والدين الشائع عند أتباع الأديان على اختلافها، وبين اللادينيين من ملحدين ولاأدريين وإلهيين لادينيين، سواء يعتمدون الإيمان الوجداني أو الإيمان العقلي، كما الحال معي. لأني أجد مع حبي للطيبين من المسلمين وغيرهم، واحترامي للعقلاء منهم ومن غيرهم، إنه قد آن الأوان لا لفتح عهد ما بعد الأديان، بل للتمهيد له، ولو كان تحققه بعد قرن أو قرنين أو عشرة قرون، لما وجدت من أن أضرار الدين والتدين هي أكثر بكثير من منافعه، ووجود حاجة للإنسان على وطنه الكبير كوكب الأرض أن يعتمد الإنسانية والعقلانية، ويجعل ما يؤمن به وما لا يؤمن ميتافيزيقيا شأنا شخصيا يبقى وراء باب بيته ووراء باب مسجده وكنيسته ومعبده. أما لماذا تركيزي على الإسلام وعلى القرآن، فلعدة أسباب. أولا) إني مؤلف بالعربية بالدرجة الأولى، وقرائي هم الناطقون بالعربية، ولأن أكثرية الناطقين بالعربية تنتمي إلى الدين الإسلامي، وثانيا) لأن خلفية ثقافتي الدينية هي الثقافة الإسلامية، وثالثا) لأن الإسلام في عصرنا الحاضر، هو من أكثر الأديان تأثيرا سلبيا، ولا أغفل هنا عن الدين اليهودي، الذي ما كان سيكون له ذلك التأثير، لأنه ليس تبشيؤريا كما الإسلام والمسحية، لولا وجود إسرائيل والنظرية الصهيونية ومقولة الشعب اليهودي، ورابعا) لأن القرآن هو الكتاب (المقدس) الوحيد الذي يعتبر متنه من تأليف الله، فتستهل تلاوة أي مقكطع منه بـ «قال الله تعالى» وتختم بـ «صدق الله العظيم»، وخامسا) لأن القرآن لاسيما عند تلاوته أو تجويده، له سحره الخاص، الذي ليس لكتاب آخر، مما يجعل إنسانا مثلي، وهنا أقول إني لا أقول عن نفسي أني نابغة أو عبقري أو خارق في الذكاء، لكني بالتأكيد لست إنسانا غبيا، فيجعله القرآن مسحورا به لثلاثة عقود من عمره. وهذا لا يعني، كما يذهب البعض، إن ما أقوم به، هو رد فعل ونوع من الانتقام لتضييع الإسلام ثلاثة عقود من عمري، بل إني، سواء أصبت أو أخطأت، أرى ذلك رسالة ما تبقى من حياتي.
وللعلم، ونحن في تموز ٢٠٢٤، فإني فتحت على حاسبتي الملف الخاص بهذا المشروع في الثلث الأخير من شهر تموز ٢٠١٧. وإنه يمثل محاولة لمقابلة نصوص القرآن التي يعتقد المسلمون بإلهيتها بنصوص تمثل اجتهادا بشريا، لما يمكن أن يكون الأقرب إلى مراد الله، فيما هو المضمون، وبما يتواءم مع مفاهيم العصر ومثل العدالة والحقائق العلمية، مقابل ما يمكن أن يفهم منه تعارضا مع أي من ذلك حسب ظاهر النص. فالنص المقابل (المضواء) يمكن أن يصح أيضا عند الذين يؤمنون أن القرآن وحي من الله، كما يصح عند المؤمنين اللادينيين الذين يؤمنون بالله، لكنهم يعتقدون مثلي أو يحتمل آخرون منهم، أن القرآن وغيره مما يسمى بالكتب المقدسة هي كلها نتاج بشري، لها ما لها وعليها ما عليها، بل قد يصح عند الكثير من الملحدين واللاأدريين، ذلك من قبيل افتراض وجود الله، الذي إما هم يؤمنون بعدمه، وإما لا يؤمنون بوجوده، وإما هم غير حاسمين قناعتهم بوجوده من عدمه.
لنصوص (المضواء) التي تقابل نصوص (القرآن)، تعتمد تنزيه الله مما لا يليق بجماله وجلاله وحكمته وعدله ورحمته، ولو من زاوية فهم بشرية، لا تدعي لنفسها امتلاك الحقيقة المطلقة أو النهائية.
ومن سيطلع على (القرآن والمضواء) سيجد أن النص الأصلي للقرآن تارة أطول من المقابل له (النص المضوائي)، بسبب حذف مقاطع منه، وتارة أقصر منه، بل أقصر بكثير، ذلك عندما يكون نص (المضواء) أطول من نص القرآن، فبسبب ضرورة التفصيل أكثر أحيانا في النص المقابل، لتلافي التأويل إلى غير المعنى المراد من (المضواء)، وذلك بما يشبه، أي هذا التفصيل، ما هو تفسير للنص، حتى لو حصل تكرار فيه في مواقع أخرى، كي يُفهَم النص على ما أريد منه، حتى لو واجهه المتلقي مستقطعا من عموم (المضواء)، كي لا يكون محتاجا لفهمه كما أريد له إلى البحث عما يفسره في عموم (المضواء).
كما تجنب المضواء مفردات «العذاب» و«العقاب» و«النار» و«الجنة»، فاستبدل العقاب بـ «الجَزاءِ بِما يَستَحِقّونَ» أو «بِما كانوا يَظلمِونَ» أو بِما كانوا يَفعَلونَ»، مع إضافة «وَهُم لا يُظلَمونَ» أحيانا، ذلك لنفي العذابات اللامحدودة قسوتها الواردة في القرآن. كما جرى استبدال الجنة وتفصيلاتها بالنعيم أو السعادة وتأبيدهما، وتأكيد استحقاق الذين يعملون، واللاتي يعملن صالحا، والصالحات والصالحين، أو المحسنات والمحسنين، أو المقسطات والمقسطين، لذلك الأجر بالنعيم والسعادة، حتى لو لم يكونوا يؤمنون، وجرى تجنب التفصيل في ذلك النعيم وتلك السعادة، لعدم علمنا بكيفيتهما، إلا من آمن بثمة كتاب يعتقد أنه منزل من الله، فمن الطبيعي أن يعتمد ما جاء فيه من تفاصيل. ثم مما اختلف فيه (المضواء) عن (القرآن) هو تجنب التعميم والإطلاق، الذي يحفل به القرآن.
أما عندما يروي لنا القرآن قصصا عن أشخاص معينين سواء كانوا رسلا وأنبياء أو كانوا طغاة أو غيرهم، فهنا اعتمد (المضواء) تناول تلك المواضيع بما فيها من عبر على نحو المفاهيم المجردة، وليس على نحو المصاديق، فيما تعني بها أشخاصا محددين، وحوادث معينة حقيقية أو مفترضة، وأحيانا روى حدثا ما كأمر مفترض.
وعندما كنت منهمكا في الاشتغال على هذا المشروع، وحيث كان لي منذ البداية مشروع آخر مواز له، أسميته بعد عدة خيارات (المضواء)، ولأن الاشتغال على هذا المشروع الذي أسميته في البداية فيما أسميته (القرآن والمقابل النوعي)، (المضواء قبال القرآن)، كان منهكا لي، ويستغرق وقتا طويلا نسبيا، رأيت أن أقدم (المضواء) عليه والذي صدر في شهر نيسان ٢٠٢٤، وسررت أيما سرور باستلامي النسخ الخمس الأولى، ولهجت بالشكر بعد الشكر لله، فكرت على الفور بالعودة لإتمام هذا المشروع بالنصين المتقابلين، بعد أن ابتكرت طريقة للإخراج بالنصين تجعلني أنجزه أسرع بكثير مما كان عليه في استخدامي الطريقة السابقة.
واشتغالي مجددا على إكمال هذا المشروع بعد صدور (المضواء) جعلني أفكر بإصدار (المضواء) بطبعة ثانية مُصَحَّحَةٍ ومُكَمَّلةٍ نواقصها إذ اكتشفت لشديد الأسف بعض الأخطاء التي لا أغتفرها لنفسي عموما، وفي هذا المشروع على وجه الخصوص، كما أني كنت قد أهملت بعض الآيات لأنه لَم يخطر على بالي نص بديل ينسجم مع اللاهوت التنزيهي المعتمد من قبلي، لكني وجدت إن بعض هذه الآيات يمكن إيجاد نص (مضوائي) بديل لها مقابل للنص (القرآني)، وسبب هذه النواقص هو أني (إِنْ أَنَا إِلّا بَشَرٌ مّا أَوحَى اللهُ إِلَيهِ)، كما لا ندري إلى من قد أوحى من قبل، ولأن كل ما يصدر من بشر لا يكون معصوما من الخطأ، سواء كان ذلك هو كنزا ربا، أو التوراة، أو الإنجيل، أو القرآن، أو الكتاب الأقدس، أو المضواء، إذا افترضنا بشرية الكتب الأخرى كما هي عقيدتي، مع احترامي لمن يؤمن بإلهيتها. وكما إن القرآن قد فسر بمئات التفاسير ومازالت تفاسير جديدة تظهر بين حين وآخر، ربما بسبب بشريته، وكونه بالتاي غير معصوم، فإني أقر لو راجعت هذا المشروع مئة مرة، سأبقى أصحح وأغير إلى ما أراه أكمل وأفضل، لأن الكمال المطلق عادة لا يبلغه الإنسان، لكننا نتفهم للمسلمين الذين يعتقدون بإلهية القرآن، وبالتالي بكماله المطلق، أنهم لا يرون فيه نقصا. فإني وأنا وأقوم بالمراجعة الأخيرة لـ (القرآن والمضواء)، وما زلت لم أفرغ منها، وجدت أن أقر بأني لو راجعت (المضواء) أي المقابل النوعي للقرآن مئة مرة، لوجدت ما يجب تعديله أو إضافته، وبالتالي فربما (القرآن) نفسه إذا افترضنا بشريته كما أؤمن أنا بذلك، فإنه لو روجع ألف مرة، لوجد من يجد منا ما يجب تعديله أو إضافته أو حذفه، فالبشر يصيبون ويخطئون. ولأني لم أحص عدد مرات المراجعة، فلا أستبعد أن عددها بلغ المئة مرة.
أخيرا أحب أن أذكر أمرا يمثل قناعتي قد يراه البعض غرورا واعتدادا بالنفس ونرجسية، فإني أرى هذا المشروع الذي أقدمه، وربما لن تعرف قيمته إلا بعد زمن يطول أو يقصر، هو يشبه في أهميته، أربع محاولات قدمت قبلي، والتشابه ليس في المضمون ولا في تفاصيل اللاهوت المعتمد ولا حتى في سعة الانتشار ولا في البلاغة، بل من حيث الأهمية، بقطع النظر عما نتفق مع أي من هذه المحاولات الأربع، ومع خامستها، أيي مشروعي هذا، وعما نختلف مع أي منها، فمشروعي يشبه من حيث الأهمية محاولة مؤلف القرآن نفسه قبل أربعة عشر قرنا، حيث يبدو أنه استفاد من اليهودية والزرادشتية والمندائية وغيرها، ليصوغ كتابه حسب ما رجحه اجتهاده، وكذلك مع الفارق محاولة مارتين لوتر قبل خمسة قرون، ومحاولة بهاء الله قبل حوالي قرنين،، وكذلك محاولة اليسوع من قبل، فاليسوع لم ينف يهوديته، إلا أنه أراد إلغاء ما يقارب التسعين بالمئة من الشريعة الموسوية، ومارتين لوتر أراد إصلاح المسيحية، وبهاء الله لم ينف إلهية مصدر القرآن، إلا أنه أسس دينا جديدا مستقلا بذاته، وَألف قرآنه أَو مضواءه وأسماه (الكتاب الأقدس)، ككتاب موحى إليه من الله، وألغى أيضا ما يقارب التسعين بالمئة من الشريعة المحمدية، وجاء (المضواء) أو (لاهوت التنزيه)، المؤسس في ٢٠٠٧، والمعتمد منه استنادا إلى العقل، ليضع فرضية إلهية جميع الأديان أمام التساؤل، ويصحح لاهوت القرآن، ويلغي أكثر مما ألغى بهاء الله من الشريعة المحمدية، ويتميز المضواء عما قبله هو أنه يؤكد بشريته، ولا يسمح لنفسه أن يدعي بلوغ الصواب المطلق، الذي لا وجود له في العالم النسبي للإنسان، مع إنه يرى ما قدمه هو الأقرب إلى مراد الله، بحيث لو أراد الله أن يخاطبنا نحن بني الإنسان، لخاطبنا ربما بما هو أقرب إلى المضواء من حيث المضمون، ولخطبنا بكل لغات العالم، وليس بلغة دون أخرى.
ومع اعتذاري لغير المؤمنين بالله، أقول إن الله وحده المسدد لما فيه خير البشرية، ووحده العارف بالنوايا والدوافع، ووحده الكفيل بإبقاء ما ينفع الناس ماكثا في أرض الناس، وجعله الزبد يذهب جفاء، ولو بعد ألف سنة أو ألفين أو ثلاثة آلاف، ليس من الآن، بل من بداية كل مما قيل عنه أنه كتاب الله.
١٤/٠٧/٢٠٢٤
اعتذاران:
- أعتذر لطول المقالة، ولم أحبذ نشرها في حلقتين.
- لضيق الوقت لم أراجعها، لذا أعتذر إذا ورد فيها خطأ سهوا.