ردي على وليد العتيبي في مقالته تهافت الرؤى الإلحادية ٢/٢


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 8252 - 2025 / 2 / 13 - 13:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

ومن التلازمات المتهافتة التي وقع فيها كاتب المقالة هو التلازم بين قصة الخلق التوراتية أو القرآنية، وبين نفي الخالق. ولا ينبغي لمثله أن يقع في مطب هذا التلازم المتوهم والمتهافت. فلو رويت لي قصة غير معقولة عن مراحل صناعة سيارة المرسيدس، فرفضتها لعدم معقوليتها ولتناقضها مع ما لدي من معلومات عن مراحل صناعة سيارة المرسيدس والسيارات الأخرى، لا يمكن أن يأتيني من يثبت لي وجود شركة مرسيدس لصناعة السيارات، فيأتيني بالوثائق والأفلام والدليل بعد الدليل على وجود شركة مرسيدس الذي يقول أني أنكرته، بينما أنا لم أنكر إلا القصة اللامعقولة لمراحل صناعة سيارات مرسيدس.
وبالرغم من أن الدكتور وليد العتيبي حاول أن يجعل مناقشته علمية، فهو ككل المدافعين عن الإسلام كان عاجزا عن الالتزام بالموضوعية، فوضع كلا من اللادينية والإلحاد والشيوعية والفاشية والنازية في سلة واحدة، ويبدو أنه نسي إدراج الصهيونية والماسونية، بعدما اعتبر كل لادينية هي إلحاد (لاإلهية)، وهو لم يدرك إن الله الذي جعل نفسه مدافعا عنه، وعنى به الله الديني، لا الفلسفي، بل ربما هو عنده الله المسلم، ولعله الله السني، كما يؤمن غيره بالله الشيعي. فهو الذي لم يتعقل نظرية التطور واعتبرها متهافتة، لم يلتفت إلى عمليات التطور السريعة نسبيا وقصيرة الأمد نسبيا، كتطور الجنين في رحم أمه، ربما ليجعله الخالق لنا نموذجا للتطورات مليونية أو ملياردية الأمد، كتطور الكون، كوكب الأرض، الحياة، الإنسان، ذلك ربما لأنه أراد لعمليات التطور قصيرة الأمد أن تكون لنا كوسائل إيضاح لنتصور التطورات المليونية والملياردية الآماد، رغم أنه غير مهتم بالإيمان به، بل يريدنا أن نتأنسن قدر ما استطعنا. ولولا أنه أصر على استخدام مفردة التهافت، لما قلت ما سأقوله تأدبا، ذلك تهافت وتتافه وتساذج ما طرحه وسطحية طريقة مناقشته فيما لا دراية له فيه، إلا بما علمه معلموه، بحيث حتى انتقل من مرحلة التلقي إلى مرحلة الاجتهاد، لا يستطيع فك تلك السلاسل والقيود عنه، المسماة بالثوابت والتوقيفيات، أي ما يتوقف الصواب عليه دينيا.
أخيرا أقول سواء أصاب فرويد أو لم يصب، أو أصاب بعض الإصابة وأخطأ بعض الخطأ. وسواء صدقت نظرية التطور، وهي عندي صادقة، أو لم تكن صادقة، فالله كطاقة ذكية أزلية كلية العلم والقدرة والإبداع والإتقان، وكمحرك أول، وكمبرمج منذ ضغط على زر الانفجار الكبير، فهو كائن منذ الأزل وجوبا، بدليل العلية واستحالة تسلسل العلل إلى ما لانهاية، أو الأصح إلى ما لا بداية، وبدليل الإتقان واستحالة اجتماع ملايين الصدف، ليكون ما كان، ويتكون ما تكون، ويتطور ما تطور، ذلك سواء آمن به المؤمنون، أو لم يؤمن به غير المؤمنين. وليعلم العتيبي المحترم إن الله لا مشكلة لديه مع الملحدين ولا مع اللاأدريين ولا مع الدينيين الذين آمنوا به وفق صورة يتنزه عنها بكماله وجلاله وجماله وحكمته وعدله ورحمته، بشرط ألا يكون من أي من هؤلاء من الظالمين والمعتدين. فالله ثبت لي بالدليل القاطع غير مهتم بالإيمان به، ولا يؤاخذ أبدا من لم يستطع أن يقتنع بأدلة وجوده، وإن ملحدا مستقيما أعمل عقله فأوصله إلى الإلحاد، أحب إليه من مؤمن ديني، آمن به وفق الصورة الدينية التي عرضت عليه، فاتبع دينه اتباعا أعمى من غير تدبر. فالإيمان والإيمان المغاير، وكذلك اللاإيمان واللاإيمان المغاير في قضايا ما وراء الطبيعة هي قضية اقتناع أو عدم قدرة على الاقتناع، والإيمان هو بنسبة ٩٩٪؜ اتباع للموروث، وإن القدرة أو عدم القدرة على الاقتناع على قضية غيبية، صدقت أو لم تصدق، هو أمر غير اختياري، فأنت إما تستطيع أن تقتنع وإما لا تستطيع أن تقتنع بقضية ماورائية تعرض عليك، والله يتعالى عن أن يضع عناصر الجبر في ميزان جزائه، فهو لا يثيب لمجرد إيمانه أحدا من المؤمنين، ولا يعاقب لعدم إيمانه أحدا من غير المؤمنين، بل يثيب بإحسانه المحسنين عملا، آمنوا به أو لم يكونوا يؤمنون، وبعدله يجزي المسيئين عملا، لم يؤمنوا به أو كانوا من المؤمنين به وله من العابدين، وهو في ذا وذا أعدل العادلين وأرحم الراحمين.
فما لكم كيف تحكمون أيها الدينيون، يا ليتكم كنتم تتدبرون كتبكم المقدسة، وتحكمّون عقولكم، والفطرة الإنسانية التي فُطِرتم عليها.