ماذا عن المفكرين الإسلاميون الإصلاحيين


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 8390 - 2025 / 7 / 1 - 04:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

من المفكرين الإسلاميين فريق يُعتَبَرون من التنويريين، أو المجددين، أو الإصلاحيين. هؤلاء بتقديري نوعان رئيسان، نوع يطرح نفسه مصلحا ومجددا، وهو يكذب، ويعلم أنه يكذب، لأنه يعلم علم اليقين أن الصورة الجميلة التي يعرضها للإسلام بتأويل النصوص لا تمثل حقيقة هذا الدين. أما الدوافع التي تجعله يكذب، بعيدا عن أولئك الذين جعلوا من الدين سلعة يتاجرون بها، إذ يجري الكلام هنا عن الإصلاحيين الذين يكذبون بحسن نية، ولو لا يمكن التبرير للكذب، وهو المدخل الرئيس إلى كل أراذل الأخلاق؛ لا يمكن التبرير له بأي حسن نية مدَّعاة أو مُعتَقَد بها، إلا إذا اضطر الإنسان إلى الكذب اضطرارا حقيقيا، وليس بمبررات، لا يصدق صاحبها نفسه بها في العمق، فدوافع فريق من هذ النوع الأول، إنهم يمارسون الإصلاح الديني عبر الوسائل المتنافية مع الصدق، فمنهم فريق قد يرون أنه من الصعب جدا، لعله من المستحيل عندهم، أن يستطيعوا إقناع المؤمنين بالدين بعدم صلاحيته لزماننا، أو بعدم صدق صدوره عن الله، ولذا نراهم اختاروا طريق الإصلاح والتجديد والتنوير، آملين التأثير على فريق من المؤمنين الدينيين كما يظنون، لجعلهم يفهمون دينهم ويعيشونه على أنه دين رفق وسلام واستعداد للتعايش مع الآخر المغاير، والقبول به على ما هو عليه من دين مغاير، أو عقيدة مغايرة، وهم في الواقع يحققون قدرا من النجاح، لكنهم في قرارة أنفسهم، ولعلهم في دوائر ثقاتهم الخواص، يُكفِّرون أولئك المغايرين لهم في عقيدتهم، الذين يدّعون أن دينهم لا مشكلة له معهم. أما القسم الثاني، وما زال كلامي عن النوع الأول بأقسامه، فلعل من هذا القسم الثاني من هذا الفريق الأول، من كان قد بدأ مفكرا إسلاميا منفتحا ومعتدلا وقابلا للآخرين، وبفعل انشغاله المركز في الدين، لكونه بالنسبة له بوصفه مصلحا دينيا، قد أصبح شغله الشاغل. وعندما يصل في لحظة ما بسبب هذا الانهماك في قضايا الدين إلى أن الإسلام الحقيقي ليس هو هذا الذي كان يعرضه للناس، والذي كان يعتقد به صادقا، لغاية ما اكتشف الزيف الذي كان يزاوله بغير قصد، عبر فهمه وعرضه للإسلام في مراحل سابقة، لكنه عندما يصل إلى هذه الحقيقة، لم يكن ليملك الشجاعة الكافية للإفصاح عما آل إليه، أو لأنه كان قد أصبح مدمنا على ذلك الدور الذي مارسه ربما لعقود عديدة من عمره، وعُرِفَ به، وأصبح له جمهوره الواسع وقراؤه ومتابعوه من المسلمين المعتدلين، فلم يكن مستعدا لخسارة كل ذلك الرصيد. ومنهم يواصل دوره اضطرارا، وليس عن قناعة، ذلك إما خوفا على حياته، أو خوفا على وضعه الاجتماعي، في حال لم تكن حياته مهددة، وقد يكون ذلك حتى خوفا منه من خسارة أسرته. هذا كله كان عن بعض أقسام النوع الأول، أما النوع الثاني، فهو رغم كل محاولاته لإصلاح الدين، وطرحه بصورة الدين المسالم غير التكفيري والمستعد للتعايش مع الآخر، فهذا الفريق لا يكذب أبدا، فهو مؤمن تماما بصورة الدين التي يقدمها للناس، لأنه يجمع بين يقينين؛ اليقين بإلهية ذلك الدين من جهة، واليقين بأنه من الممتنع أن يصدر من الله، ما هو متعارض مع العدل والسلام والحرية والعلم. إن الذي جعل هؤلاء إصلاحيين وتنويريين في فهمهم وعرضهم للدين، هو أنهم من جهة استطاعوا أن يفكوا الكثير من الأقفال التي أقفل بها الدين على عقولهم، وبقي القفل الأهم والأكبر محكما في إقفاله على عقولهم، فهم لا يفكرون أصلا بفك هذا القفل، خوفا منهم مما يسمى بسوء العاقبة، ليقفوا بعد موتهم بين يدي ربهم يحاسَبون على ما آلوا إليه، كما أنبأهم به دينهم، مهما بلغ شكهم في الوعي الباطني فيه، لكنهم يخافون أن تكون فعلا هناك جهنم، يحشر فيها الكافرون بالدين، مما قد يجعلهم الارتداد عن الدين يُحشَرون ويُؤبَّدون فيها.
دعوني أختم هذه المقالة القصيرة بقولي، التي كتبتها بفضل الأرق؛ أختمها بقولي إن (جبريل حتمية التاريخ) أنبأني أن عصر ما بعد الأديان لآت، وإن طال الزمن، ولعله لن يطول بقدر ما نحتمل، ليصل عندها مواطنو كوكبنا الأورق الجميل يوما إلى أن يضعوا الدين وراء ظهورهم، ويقدموا الإنسانية والعقلانية بين أيديهم يستنيرون بهما في الطريق، متعايشين، سواء كانو ملحدين، أو لا أدريين، أو مؤمنين عقليين لادينيين.
٠١/٠٧/٢٠٢٥