قليل قليل من رحلة عمر
بشير الحامدي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8177 - 2024 / 11 / 30 - 13:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقالي هذه المرة سيكون مختلفا... نعم سيكون مختلفا
سأتحدث اليوم لا في السياسة ولا في الفنون ولا في معارضة السلطة والنظام... بل في أمر آخر تماما.
سأحدثكم عن نفسي. نعم عن نفسي وعن أمر محدد هو كيف جاءت هذه التي يدعونها تروتسكيتي...
سأقول لكم كل ما في نفسي...
سأفرغ الوعاء أمام أعينكم...
سنة 1983 إن لم تخني الذاكرة...
وقتها كنت التحقت بوزارة التربية وعينت للتدريس في سيدي بوزيد.
كنت تركت الجامعة وهذه حقيقة بعيوني اليوم أراها معرّة ما بعدها معرّة
قلت تركت الجامعة لاعتقادي أنه لابد لنا من أن نكون في صفوف الشعب فتغيير الأوضاع جذريا والثورة تتطلب ذلك.
ومن يومها لم أبتعد عن صفوف الشعب ولكن هذه الثورة تخلّفت وحتى لما جاءت لم نستطع أن نفعل بها شيئا غير ردود فعل بائسة لم تقد لشيء. (لا علينا الآن).
سنة 1983 وأنا في سيدي بوزيد التقيت باصدقاء... التقيت بالسعدي بكاري ومحمد عمامي وفريد العليبي ولمين العليبي ومنصف الخميري الذي أعرفه من قبل وسي السلامي نسيت اسمه ومحمد العموري وجمال نسيت لقبه صديقي عمار الحامدي لا شك يذكره وإن قرأ المقال سيذكّرني. التقيت كذلك بالصافي عمري بمحمد الصياحي وبحبيب حمدوني وبلقاسم عيساوي وكثيرون آخرون والحقيقة نسيت من يكونون الآن.
من كل هؤلاء كان السعدي البكاري أقربهم أيديولوجيا وسياسيا لي وأعتقد أنه هو كذلك كان يفكّر في طريقة تمكنه من أن يجلبني لصفه.
مع السعدي البكاري كانت لي تجربة صداقة مغلّفة بالسياسة في تونس هو وواحد اسمه جميل وآخر اسمه لورنزو وثالث اسمه نزار والفاضل ساسي ففي ذلك الوقت لا يمكن أن تكون طالبا ولا تهتم بالسياسة واليسارية تحديدا.
وقتها كنا نرى أن كل ذلك اللغط الذي نسمعه من سفيان ومن الطبيب ومن لطفي بوخريص و"ليدر" آخرون لا يقنع كنا نفكر في نحت اتجاه سياسي مختلف...
كنا نرى أن الثورة الوطنية الديموقراطية فكرة قاصرة وبالتالي لابد أن يكون لها أفق وأعلن أنا بشير الحامدي أن أول من تكلم باسم الثورة الاشتراكية ذات الأفق الاشتراكي هم نحن أولئك المجموعة الصغيرة التي لا يصل عدد أفرادها عدد أصابع اليدين...
وتفرق الشمل
سنة 1983 أعلمني السعدي أن هناك مجموعة تروتسكية في تونس وأنه على اتصال بواحد منهم وأن "الجماعة منظمين" وأنه يمكن لي الالتحاق بهم أو النقاش معهم أولا إن رغبت في ذلك.
الجماعة الذين يتحدث عنهم السعدي البكاري هم جماعة "ما العمل" وفي الحقيقة هذه التسمية ليست تسميتهم بقدر ما هي تسمية جماعة لبنان الذي صاروا فيما بعد التجمع الاشتراكي الثوري قبل أن يندثروا...
وكان اللقاء بجماعة ما العمل التونسيين وبدأت الرحلة مع التروتسكية حتى سنة 2010.
سنة 1988 كانت سنة لئيمة جدا بالنسبة لي وقتها كان طلاقي من زوجتي الأولى وكان عقاب لي من منظمة الشيوعيين الثوريين التي أنتمي لها... لقد نسيت الحقيقة على ماذا عوقبت وكل ما أذكره أني وجدت نفسي لا نشاط لي غير النشاط النقابي فحاولت مع جمع من الأصدقاء تأسيس النقابة المناضلة وكان ذلك دون الرجوع للتنظيم وتواصل نشاط هذا الاتجاه النقابي حتى بروز اللقاء النقابي الديموقراطي بعد 2005.
أعود لترتسكيتي وما بقي منها اليوم...
الحقيقة أن تروتسكيتي أفادتني كثيرا في الإطلاع على الكتب.
لقد اطلعت على أغلب ما نشر وقتها وكان في متناول يدي في نقد الستالينية.
لقد قرأت لجاندر فرنك و لأسحاق دويتشر ولتروتسكي.
كذلك فقد قرأت كل كتب لينين وستالين وما توفر من كتب ماوتسيتونغ المجلدات الأربعة والمختارت لشي قيفارا إضافة لكتب ماركس راس المال الأيديولوجيا الألمانية وفريدريك انجلز أصل العائلة ومخترات ماركس أنجلز كذلك فقد قرأت مختارات مؤلفات بليخانوف وكتب أخرى كثيرة لا أذكرها.
التروتسكية لا يجب أن تكون اتجاها سياسيا.
كل ما يهم التاريخ ليبقى محل نقاش فقط.
هذا ما كنت أردده.
وهذا ما أنا مقتنع به لحد الساعة.
أن تكون تروتسكيا أو أناركيا أو وطنيا ديمقراطيا... أو... أو..... لا يغير ذلك شيئا.
المطلوب أن تعمل على أن تكون واضحا مع نفسك أولا عارفا لقدراتك ثانيا وثالثا راديكاليا دائما... هذا كل ما اراه.
لم يتبق من التروتسكية سوى نظرية الثورة الدائمة وفكرة التطور اللامتكافئ والمركب... لقد ذهب كل ما تبقى مع الزمن.
الزمن لا يبقى منا ومن أفكارنا إلا ما يصمد مع الأيام.
أخيرا ها أني أتساءل بعد كل هذه السنوات هل أنا تروتسكي وبأي مقياس أنا تروتسكي لأقول لا لست تروتسكيا أنا... أنا أعرف التروتسكية والتروتسكيين جيدا ولكني لست تروتسكيا.
لا أريد أن أوصف بالتروتسكي ولا بغيره من الألقاب السياسية الأيديولوجية أنا فقط بشير الحامدي الذي يتعلم كل يوم ولا يكف عن التعلم.