المستقبل هو الآن


بشير الحامدي
الحوار المتمدن - العدد: 8089 - 2024 / 9 / 3 - 15:23
المحور: الادب والفن     

لي صديق كتب رسالة في أواخر السبعينات لامرأة يحبها وقال لي " هذا عهد مني ألا أفتحها إلا سنة 90 " الحقيقة نسيت ما قال لي: هل قال لن أفتحها أو لن أسلمها لها.
لا أدري ما في الرسالة ولكني أعرف صديقي وولعه بالدقة والحساب صديقي يمكن أن أقول عنه الآن أنه "سيد الدقة بكل المقاييس"
لا علينا من كل هذا فما يهمنا هو إشارة صديقي وقتها للمستقبل للعام 90 الذي كان بمقاييس الزمن والتقدم فيه بعيدا بعيدا.
ولكن ها أنّنا عمّرنا ثلاثتنا للعام 2024 ويمكن أن نعمر أكثر وقد يعمر أحدنا أو ثلاثتنا أو إثنين منا أكثر...
ما أردت قوله هو أن المستقبل تفشل معه كل حسابات الأحياء.
تفشل معه التقسيمات.
يفشل معه التدقيق.
المستقبل ملتهم، يلتهم الحاضر ويصير منه يلتهم الماضي ويصير منه...
المستقبل لا يرضى إلا أن يكون وحده.
المستقبل ملتهم أكول بتّار سيفه أعمى وحركته أكثر عماء...
ما نراه بعيدا هو في الحقيقة قريب جدا ما نراه تاريخا هو في الحقيقة سيرورة لا تكتمل أبدا...
اكتمالها هو عدمها...
التاريخ هو التراث هذا التراث الذي ينبعث واقفا كلما سنحت له الفرصة ...
في الحقيقة نحن كائنات نحي في التراث تاريخنا الوحيد هو لما ينبعث هذا الثراث وحين ينبعث لا يعود تراثا بل يصر حاضرا جاثما يبحث بيننا عمن يحوله لمستقبل.
الناس جميعا تراهم منشغلين بالمستقبل ولكن في الحقيقة هم منشغلون بلا شيء منشغلون بأمور لا يتحكمون فيها...
تتجاوزهم...
منشغلون بعجلة الأسعار وبالأجر الأدنى وبالديموقراطية والحقوق والسيادة والانتخابات والحرية ولكنهم في الحقيقة ليسوا سوى قوى ترضخ أخيرا لمشيئة ما يسمونه قدر ولكنه في الحقيقة ليس قدرا بل نتيجة لعدة عوامل هم من أسسوها أو انقادوا إليها. فهم من رضي بعجلة الأسعار وهم من رضوا بسلم التأجير وهم من وضعوا الديموقراطية والانتخابات التي تخنقهم وهم من توافقوا على معنى الحرية والسيادة...
هم من يعيشون مستقبلهم وهم يعتقدون أنه الحاضر.
هذا هو ما صاروا يقولون عنه لؤم الأيام أو لؤم الزمن وهم في الحقيقة من وضعه ومن يتبرم منه معتقدين أن التبرم كاف لشطب بؤسهم وبؤس المستقبل الذي يعيشونه.

3 سبتمبر 2024