حتى تكون لنا ذاكرة وكي لا ننسى
بشير الحامدي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8041 - 2024 / 7 / 17 - 02:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ـ1ـ
الأحداث والمواجهات التي وقعت ضد نظام بن علي في السنوات 2008 و2009 و2010 كان لها دور كبير في الوصول للحدث الكبير الذي نعرف ووقع في ديسمبر وجانفي 2010 ـ 2011.
وفي الحقيقة ولئن ظهرت هذه الأحداث في شكل سلسلة متقطعة إلا أنها كانت في وعي الناس وأثناء كل حدث منها تظهر مترابطة متصلة تراكم لحدث أكبر لم يكن لأحد وقتها أن يتكهن به أو بطبيعته أو بامتداداته أو بما يمكن أن يتزامن معه من معالجات خصوصا من الطبقة المسيطرة ومن القوى الخارجية المرتبطة مصالحها بها وماهي طبيعة الصراعات التي يمكن أن يفضي إليها أو يفجرها.
وكان 17 ديسمبر بكل عنفوانه هو ذلك الحدث الكبير الذي حمل رسالة كانت جد واضحة ومفهومة من قبل أصحاب المصلحة في نظام بن علي قبل غيرهم ومفادها: "يرحل بن علي" وأن لا مجال لبقائه مهما كان الثمن.
"يرحل بن علي" أو "الشعب يريد..." أو ترسانة الشعارات الأخرى بكل ما حملته من زخم تعبوي لا سابق له في تاريخ مواجهات الأغلبية سواء لبورقيبة أو لبن علي بعده هي في الحقيقة بقيت مجرد شعارات ولم تتجاوز الشعار القديم القديم "خبز وماء ونويرة لا" الذي صار بعد انقلاب 1978 "خبز وماء وبن علي لا".
وللتاريخ فبورقيبة الذي امتدت ديكتاتوريته من 1956 إلى 1987 لم يواجه وأثناء الأحداث الكبرى التي عرفتها تونس سواء أثناء الإضراب العام سنة 1978 أو أثناء انتفاضة الخبز بشعار "الرحيل" عن الحكم عدا بعض محاولات الانقلاب على حكمه في سنواته الأولى التي كانت نتيجة الصراعات التي تعود لما قبل 1956 بينه وبين التيار اليوسفي ولم تكشف إلى حدّ اليوم الكثير من حقيقة أحداثها وملابساتها.
كذلك فلا المعارضات اليسارية بكل تياراتها ولا حركة الاتجاه الإسلامي وقتها ولا القوميين كانت أطروحاتهم المتعلقة بالنظام البورقيبي صريحة واضحة في الدعوة لرحيله وأقصى ما كانت تطالب به هو الاعتراف بها والسماح لها بالنشاط القانوني والبحث عن دمقرطة الحياة السياسية بما يسمح لها بالتأسس كمعارضة قانونية إصلاحية.
ويمكن إجمالا القول بأن السمة الغالبة لكل معارضات بورقيبة كانت سمة إصلاحية لا تنشد غير الاعتراف بها شريكا في الحياة السياسية (نحن هنا ننظر للاتجاه العام لأطروحات هذه المعارضات ولا نتوقف عن بعض المواقف التي تظهر حينا وتختفي حينا آخر وتحتمها الأوضاع المتغيرة دوما) ولم تكن يوما واضحة في الاطاحة بالنظام البورقيبي.
مع بن علي لم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للمعارضات الثلاث حيث شاهدنا حركة الاتجاه الإسلامي تمضي مع بن علي بعد انقلابه على وثيقة الميثاق الوطني كما كانت تحضر لمصالحة معه أشهرا قبل انطلاق أحداث ديسمبر 2010 واستمرت مجموعات اليسار على موقفها الأول المسيج بنظرية الثورة على مراحل والنضال المباشر من أجل الحريات السياسية عدا بعض المجموعات الصغيرة وبعض الأفراد غير المنظمين ساعتها والذين كانوا يقفون على مسافة من هذه الأطروحات اليسارية الإصلاحية دون تأثير كبير منهم في مجرى الأحداث وتاه القوميون بين المنادي باستغلال الانفتاح الديمقراطي لنظام بن علي والالتحاق بحزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي خصوصا زمن رئاسة السيد أحمد الإينوبلي وبين من يرفض ذلك وينطوي على نفسه منتشيا بالفكر القومي منتظرا حدوث انقلاب عسكري يضع كل الشأن في البلاد بين يدي الحذاء العسكري تبين بعد سنوات أنه لن يأتي مطلقا وهو ما دفع بكثير من هؤلاء بعد 2011 للالتحاق ببعض الأحزاب التي تقول عن نفسها قومية وصارت تدعو للجمهورية الاجتماعية دون أن تتخلى عن نظرية الانقلاب العسكري التي بقيت لدى كثير من أنصارها "نوستالجيا" شبيهة بمرض لا فكاك منه.
وللتاريخ فشعار "يرحل بن علي" "Dégage ben Ali" كان ظهوره لأول مرة في منشور من منشورات مجلة قوس الكرامة التي تأسست بمبادرة من بعض الرموز اليسارية (تروتسكيين ووطد) سنة 2002 وقد حمل عددها الأول في صفحته الأولى شعار "بن علي 14 سنة يكفي" وكانت توزع يدويا في الشارع وبلغ عدد المشتركين فيها اكثر من 4 آلاف مشترك حسب المسؤول وقتها عن الاشتراكات وكتب فيها كثيرون (شكري بلعيد جلال الزغلامي طارق محضاوي بشير الحامدي) وعديدون آخرون نسيت الآن أسماءهم ونشرت 4 أعداد وتوقفت بعد إشتداد عملية القمع على القائمين عليها وعلى الحلقة الواسعة التي تسندها.