من الكتاب الثالث من ثلاثية - ورقات من دفاتر ناظم العربي- المعنون ب منتصر السعيد المنسي. فصل ما قبل البدية الورقة الثامنة: أنا لست أنا
بشير الحامدي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8022 - 2024 / 6 / 28 - 23:22
المحور:
الادب والفن
الموت أمر حتمي عمرك هذا سينهي بك إلى حتفك.
ظل منتصر السعيد المنسي يسمع هذا النداء طوال الوقت حتى أصبح بالنسبة إليه كالوعيد يتحاشاه ويقفل أذانه دونه لكن دون جدوى فالصوت يتجدد دائما.
حتفك هو الفقد.
الموت هو الدي سيجعلك تفقد…
ستفقد من تحب ستفقد من هو قريب منك فيصير بعبدا بعيدا عنك.
الموت هو الذي سينهيك أخيرا… سيجعلك تُفقد وتكون كلاشيئ.
شيء واحد كان يهون عليه ارتعابه وخوفه هو أن ناظم العربي كان يسمع نفس الصوت ويفكر نفس التفكير.
قال منتصر السعيد المنسي:
لست الوحيد إذن في هذا الكون من يرعبه هذا الصوت.
لست الوحيد الخائف من مصيره فهكذا كان ناظم من قبلي…
كان منتصر السعيد يرى أنه ذاهب في رحلة بعيدة لا أحد يعرف عنها شيئا حتى هو لا يعرف عنها شيئا فقط يعرف أنه مات لأنّه كان قد عاش.
سرت في عروقه قشعريرة.
توقف عن المشي.
وقف برهة يفكّر ثم قال:
نعم كان ناظم من المعجبين برائعة الكاتب الأمريكي
FRANCIS SCOTT FITZGERALD , TALES OF JAZZ AGE
هو يعرف تحول أحد نصوص هذا الكتاب إلى الفيلم المعروف
The Curious Case of Benjamin Button
وأنه كان تمنى أن يكون هو كاتبها .
تقدم خطوات وعاد وتوقف.
انحناءة جسمه كانت لا تساعده على المشي طويلا.
ارتعب وزاد ارتعابه لما فكّر وتساءل لماذا عندما يتغير الزمن نحس بالغربة؟؟؟
لماذا لا تكون الآية معكوسة… لماذا لا نولد ونحن نعرف كل شيء ثم نضيف لذلك ما سنعرفه طيلة حياتنا؟؟؟
ألا يكون ذلك أحسن…
ثم لماذا نصر على المعرفة …؟
هل المعرفة هي كل شيء يعنينا في الحياة أم هناك أشياء أخرى مهمة غضضنا عنها الطرف…؟
لفّه الشارع الطويل فمشي بخطوات وئيدة يتعثر ولكن الفكرة ظلت مسيطرة عليه…
ناظم العربي لم يقدر على التعايش مع هذا الجيل الهجين؟
أين الخطأ يا ترى؟
هل في الجيل أم فيه؟
فكرة الخلق والعدم عادت لنلح عليه من جديد… حالة الاغتراب أيضا عادت إليه تطرق جمجمته بوابل من الأسئلة الموجعة.
لماذا لا يجد نفسه مع هؤلاء؟
لماذا يظل طول الوقت في غربة؟
لماذا كل هذا البؤس في حياة يفترض أنها تساوي بين الجميع؟
هل يجب أن نتساوى في العوز أم يجب أن نتساوى في الرفاه؟
محبو الله يقولون أن المساواة في الرفاه لا تكون إلا في الآخرة و أننا في الحياة في مسيرة بلوى نخرج منها بما نخرج لنحاسب عما قدّمت أيدينا.
محبو الحياة يقولون غير ذلك…
تذكر أنه قرأ مرة لجلال الدين الرومي ما معناه أن الورد عندما يمضي أوانه لن تجد بلابل تصدح برواية سيرته.
توقف وجلس على حائط يحيط بالمنتزه حيث يمر ثم تكور وظل على حالته تلك مدة من الزمن وتمتم…
سواق الأتوبيس أيضا كان يرصد غربة ما لأشخاص ما وسط مجتمعات ما تتغير ولا يتغيرون…
تماسك وقام وهو يتمتم .ترى أين الخطأ هل هو فينا أم في الحياة؟
المجتمعات تتغير ونحن لا نتغير أين الخطأ؟
لماذا لا نساير الموجة؟
هل يجب أن ندّعي أننا تغيرنا؟ أم يجب أن نوقف الزمن؟
هو يعرف أنه لا يستطيع أن يوقف الزمن و أن فيلم The Curious Case of Benjamin Button
وفيلم سواق الأتوبيس ليسا إلا رغبة جامحة لا يمكن تحقيقها وشطحات كاتبين عركهما الزمن فلم يقدرا على غير السخرية منه.
أوووه لهذا الزمن اللعين هو يقبض أرواحنا متى شاء الرب ويعرينا متى شاء الحاكم ويكذب علينا أنه سيسعدنا في الآخرة… وهو لم يقدر على ذلك في الحياة الدنيا.
عاد وتكور من جديد كمن خذله كل ما في الوجود ونام نعم نام متكورا على الرصيف بجانب مصب للزبالة أين سالت ذات يوم دماء حمراء باردة لم يعرها البوليس أي إهتمام وعدّها دماء مجهولة لشخص مجهول مات أو إنتحر… لكن لاحظ كل من رآه وقتها أنه لم يكن نائما بل كان يهذي يصيح بأعلى صوته… أنا لست أنا … ليس هناك من سيذكر سيرتي… سيرتتي كانت من أسوإ السير سيره رجل فقد عقله فسلم أمره لأشباح عائدة من زمن غابر فصار منهم وفقد كل شيء…
أنا لست أنا… أنا لست أنا… أنا لست أنا…