ومضات


بشير الحامدي
الحوار المتمدن - العدد: 8071 - 2024 / 8 / 16 - 15:29
المحور: الادب والفن     

ـ 1 ـ
عديد الحشرات لما يتعتعها السكر تتقيأ بذاءات ومن بذاءاتها أنها تشكر وتذم في نفس الوقت وكثيرا ما تستند على رجال لا يذكرهم التاريخ إلا بالشؤم والسطحية...
أدم فتحي مثلا هذا رجل مفترض منا ألا نعده قامة فالرجل صير نفسه أكثر من آدم النقابي الفصيح...
ومن خبل العناكب أنها تجعل من النكرات أسماء لها نعوت وحالات وأخبارا وكثيرا ما يعوزها القول فتلجأ لما نسميه التعالم ومن منّا نحن بنو آدم من لا يستفزه التعالم الثعلبي... وعلى ذكر الثعلب فقد قيل والعهدة على من روى أنه كان في بداية الخليقة رجلا يلبس سروالا كبقية خلق الله ولكنه ولطبع كريه فيه كان يقضي دائما حاجته في سرواله خصوصا لما يشرب حتى القليل من الشراب المسكر فمسخ للهيئة التي نعرفه عليها اليوم...
وقيل إنه كثيرا ما يتحدث بما لا يعرف على طريقة كل بنات آوى فهو يحدثك مرة عن أنطوني نيغري ويقول إنه الوحيد الذي يعرف عنه كل شيء ومرة عن جورجو أغامبين ويقول إنهما عاصرا ابن خلدون والزمخشري والطاهر الهمامي ولكنهما لم يكونا معروفين وأن الفضل يعود له في إحياء اسميهما ولكن ما لا يعرفه هذا الثعلب ولنقل الثعالة أفضل أن الغربان البلهاء ووحدها كانت تصدقه ولا تكتفي بذلك بل تتخذه نديما لها وتعاشره...

ـ2 ـ
ما نكتبه وينسب للإبداع الحقيقي لا يمكن أن يكون كله عمارة متخيلة فالخيال قد يكون أحد منازل الرثاثة وهذا ما ألاحظه لدى كثير من الروائيين الذين لا يكتبون باللغة العربية ويتهافت قلة قرائنا على تثمين أعمالهم. الخيال ... الخيال ... وكأن لا شيء يشدهم للواقع
فالتخيل عملية فردية والفردانية ممجوجة وقاصرة وقد تذهب أكثر نحو بترنا عن مرارة أو ربما حلاوة الواقع من أجل عالم خيالات لا يمكن تحقيقه لا في الحلم ولا في اليقظة
ما نكتبه لا يمكن أن يكون خيالا أي رجع صدى ولا يعبّر عنا... قد يكون للذاكرة هنا دور ولكن أعتقد أنه ذلك الدور الرومنسي المتعلق أكثر بما نسميه "nostalgie" ...فما نكتبه لا يمكن أن يعبر إلا عنا نحن من كتبناه في لحظة ما وزمن ما لا أكثر... ما نكتبه قد يصبح قديما بل يمكن أن نضعه في خانة القدامة أصلا ما أن تدور عجلة الأيام وقد يبقى حيا دائما لأنه سرق الشمس وخبأها ولكن ومضات من نورها تنبئ بها وبمكانها فيعيش بذلك أطول زمن ممكن وقد يبقى إلى مالانهاية...
ـ 3 ـ
من لا يعرف كيف يدمر لا يعرف كيف يبني
ما نكتبه هو بقايا ما دمرناه وما نكتبه هو ما نجتهد في بنائه الآن وهنا
العمارات الواقفة لابد من تدميرها فعلى أنقاضها يجب أن نبني.
أن نبني بجانبها هو ذلك التراكم الفاسد الذي يخلط الغث بالسمين ويقف عند مقولة الأولين دعه يفعل دعه يمر .
القديم لا يجب تركه بل يجب تدميره واسقاطه على رؤوس كاتبيه وعلى رؤوس قرائه و إن لزم ليس على رؤوسهم بل على جثثهم.
كيف تقع عملية التدمير التي أقصد؟
تقع لما نقرأ وننقد هكذا هي عملية التدمير الفنية التي هي في حقيقتها عملية تناسل وتطور وليس تراكما... عملية تجديد دائم وتغيير دائم...
عملية سلخ وإحياء في نفس الوقت
نسلخ ليس لنفتل بل لنحيي... فهكذا أرى حياة النصوص
يحيا النص حين تصير بعض أفكاره عند غيرك... حين تقرؤه شذرات هنا وهناك...
نصك حين يدمر يكون قد حقق ما يجب تحقيقه لذلك فأنا دائما ما أردد أننا لسنا في حاجة لنقاد... الكتاب ليسوا في حاجة لنقاد بل ربما العكس هو الذي يصح أن النقاد هم الذين في حاجة للكتاب.
نحن في حاجة لقراء أكثر فهما لكيفيات التدمير ويفهمون جيدا مقولة "دعه يفعل دعه يمر" ويقاومون من أجل تدميرها والإطاحة بها في سبيل نص آخر يكون نفسه قابلا للتدمير.