الإتحاد العام التونسي للشغل نقابة للبيروقراطية الفاسدة لنفعل من أجل نقابة مناضلة لصالح منتسبيها
بشير الحامدي
الحوار المتمدن
-
العدد: 7997 - 2024 / 6 / 3 - 02:53
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
1ـ المركزة البيروقراطية
لقد بات ملموسا اليوم لأوسع النقابيين أن المركزة البيروقراطية المطلقة التي عليها الإتحاد العام التونسي للشغل بما خلقته من أوضاع قد أتاحت للبيروقراطية النقابية التحكم في كل الشأن النقابي.
ويمثل تحكم المكتب التنفيذي في كل القرارات النقابية ــ ومن أهمها وجوب موافقته على كل دعوة لاجتماع الهيئات الإدارية القطاعية ووجوب إشراف أحد أعضائه على هذه الاجتماعات ووجوب موافقة هذا المكتب التنفيذي على كل قرار يصدر عن هذه الهيئات أو عن المكاتب التنفيذية القطاعية أو الجامعات النقابية ــ من أبرز القوانين المعادية لحرية العمل النقابي وبندا من البنود التي وظّفتها البيروقراطية النقابية لمصادرة كل موقف أو توجه معارض لسياسة المشاركة التي تنتهجها وقد مكن هذا الوضع البيروقراطية من التحكم في الديناميكية النضالية للقطاعات بدعوى علوية سلطته على سلطة المكاتب التنفيذية للقطاعات.
إضافة إلى ما تقدم يمكن الإشارة أيضا إلى هيئتين بيروقراطيتين تعاضدان عمل المكتب التنفيذي وهما ما يسمى بالهيئة الإدارية الوطنية وبالمكتب التنفيذي الموسع والذين تعكس تركيبتهما حالة صارخة من اللاديموقراطية حيث تتساوى في هاتين الهيئتين حقوق أعضائهما في أخذ القرار برغم الفرق الشاسع في التمثيلية القاعدية لكل عضو إضافة إلى الغياب التام لأي ضبط لمهام أعضاء كل من الهيئتين فلا وجود لما يلزمهم بعدم تجاوز توصيات أو قرارات هياكلهم أو جهاتهم عند اتخاذ المواقف والقرارات والأسوأ هو أن البيروقراطية أصبحت تلتجئ لهاتين الهيئتين كبديل لهيئات القرار الفعلية في الإتحاد مثل المجالس الوطنية أو الهيئات الإدارية القطاعية في كل مرة تعزم فيها على التراجع في قرارات أو قوانين وقع إقرارها في مؤتمرات الإتحاد أوعندما تريد تمرير قوانين بيروقراطية جديدة أو للزج بالإتحاد في سياسات تعرف أنها محل معارضة أغلب منخرطيه ناهيك عن الدور الذي أصبحت تلعبه هاتان الهيئتان البيروقراطيان مع المكتب التنفيذي عمليا بصورة سرية أو علنية في التحكم في تاريخ انعقاد المؤتمر العام والمؤتمرات الجهوية وفي تاريخ تجديد الهياكل وفي كل عملية انتخابات لهياكل المنظمة لمزيد التحكم في تركيبة هذه الهياكل ولتمهيد الطريق للقائمات التي ترضى عنها لضمان مدد نيابية أخرى لأنصار المشاركة.
إن وضعا كهذا جعل البيروقراطية النقابية وجهازها المكتب التنفيذي متحكما مطلقا في كل القرارات النقابية وسحب البساط من القطاعات والجهات وهو وضع خرب النضالات وتسبب في تراجع الوعي بأهمية النقابة والنضال النقابي لدى المنخرطين ولجم الهياكل الأساسية والوسطى والقطاعية عن تفعيل قراراتها وحاد بالإتحاد عن الدور الذي كان من المفروض أن يلعبه.
2 ـ الانخراط بالاقتطاع الآلي من المرتب مواصلة تنفيذ مخطط الاستعمار
لم يعد خافيا اليوم على النقابيين أن الانخراط في الإتحاد العام التونسي للشغل والذي يتم عن طريق الاقتطاع من المرتب قد ساهم في تقوية نفوذ البيروقراطية النقابية وأمّن لها أكثر ما يمكن من أسباب الاستمرارية والبقاء.
فالانخراط بهذا الشكل وفي الواقع الحالي للاتحاد العام التونسي للشغل ليس تقنية تنظيمية وعملا تقوم به المصالح الإدارية والمالية للدولة لصالح هذه المنظمة النقابية هكذا وبلا هدف إن له أهدافا وأبعادا سياسية باتت مكشوفة: لقد مسّ باستقلاليته المنظمة كمنظمة نقابية للشغيلة وقوّى من هيمنة قيادتها البيروقراطية.
هذه هي بالضبط الأبعاد التي يكثفها هذا الشكل من الانخراط. إنه كذلك اتفاق ضمني بين الدولة وأرباب العمل من جهة والبيروقراطية النقابية من جهة أخرى على التعاون. لقد اعتبر المشغلون والدولة دائما هذا الشكل من الانخراط سلاحا فعالا بأيديهم يمكن رفعه حين تحيد البيروقراطية النقابية عن التزاماتها تجاههم أو عندما يحتم الوضع من وجهة نظرهم ضرب النقابات وتكسيرها ولأن البيروقراطية النقابية تعي ذلك جيدا فقد كانت دوما حريصة على المحافظة على هذا الاتفاق الذي تعتبره امتيازا يدر عليها المليارات سنويا فلم تتوان يوما عن نسف الديمقراطية النقابية وضرب الحق النقابي وإقصاء وتكميم أفواه النقابيين المعارضين لتوجه المشاركة وإغماض العين عن الزيادات الملتهبة للأسعار والتدهور المتزايد للمقدرة الشرائية للشغالين…
إن الانخراط بالإتحاد العم التونسي للشغل بواسطة الاقتطاع الآلي من المرتب يمثل إحدى الآليات التي حالت دون تطور جماهيرية هذه المنظمة على قاعدة الاقتناع والتطوع والالتزام والنضالية و سهلت للفئة البيروقراطية إفساد الحركة النقابية ووسعت نفوذ الدولة والأعراف داخلها.
إن البيروقراطية النقابية المهيمنة على سلطات القرار اليوم هي نتاج موضوعي للجماهيرية المغشوشة لهذه المنظمة ولعل الإطاحة بها تمر بضربها في امتيازها الأكبر العائدات المالية وبالتالي جعل الانخراط بالنقابات يقوم على أساس الانخراط المباشر عن طريق النقابات الأساسية وهي عملية ستكرس بالفعل التزام المنخرط من جهة بسياسة نقابته وتعهدا بممارسة قراراتها والدفاع عنها وستكون أيضا تعبيرا عن حيوية وفعالية هذه النقابة والتنظيم النقابي الذي تنتمي إليه ككل.
إن الانخراط وبهذه الطريقة سيكون عملية شفافة ونضالية وسيمتن العلاقة بين الهياكل والقواعد وسيحفز الهياكل للعمل والنشاط الهادف وسيلزم التنظيم النقابي بالدفاع عن مطالب منخرطيه والالتزام بمقررات المؤتمرات القطاعية وسيتيح شفافية التصرف في العائدات المالية وإمكانية آلية للمحاسبة وسيرشد الأنشطة النقابية.
لا شك أن هذا الأسلوب في الانخراط ترفضه البيروقراطية ويصيبها الذعر حتى من مجرد الحديث عنه لأنه وببساطة سيجردها من امتيازها الأكبر "العائدات المالية" وبالتالي سيحرم أعضاء المكتب التنفيذي من الجرايات الكبيرة التي يتقاضونها باسم أنهم أعضاء في هذا الجهاز ومن السيارات الفارهة التي يركبونها ومن الندوات التي تنظم في أفخر النزل والتي تعودوا على إقامتها بمناسبة وبدون مناسبة ومن الارتشاء والسرقة... وسينسف أهم قاعدة للبيروقراطية النقابية ولهذه الزعامات التي عمرت في الإتحاد سواء في مكتبه التنفيذي المركزي أو في المكاتب التنفيذية الجهوية هذه الزعامات التي تستميت في كل مؤتمر عام أو جهوي للحصول على عضوية هذه المكاتب هذه العضوية التي أصبحت امتيازا ماليا بالدرجة الأولى.
إن طريقة الانخراط بالحجز على المرتب هذه الآلية التي تراكم كل شهر أكثر من مليار 500 مليون دينار تونسي تحت تصرف المكتب التنفيذي ولا تحصل منها النقابات العامة والنقابات الجهوية والأساسية إلا على قسط زهيد لا يغطي أبسط نشاطاتها وهو أسلوب تتعمده البيروقراطية لمزيد الهيمنة على هذه الهياكل وتكبيلها وإبقائها مرتهنة بها. إن مسألة الانخراط في الإتحاد العام التونسي للشغل أصبحت اليوم إحدى المسائل الملحة والتي على النقابين أن يطرحوها من أجل فرض طريقة الانخراط المباشر والتي ستحول دون إطلاق اليد في مالية الإتحاد وتضع حدا لكل تلاعب أو إهدار لأموال المنخرطين.
3ـ واقع وآفاق المعارضة النقابية المناضلة اليوم
في البداية لابد من تحديد ماذا نعني بالمعارضة النقابية. المعارضة النقابية التي نعنيها اليوم هي مجموع النقابيين في كل الجهات وفي كل القطاعات قواعد وهياكل المعارضين لسياسة البيروقراطية النقابية الرافضين لسيطرة المكتب التنفيذي على الحركة النقابية والمنادين بضرورة استقلال القرار القطاعي عن كل سلطة غير سلطة هياكل ذلك القطاع المنتخبة ديمقراطيا وبضرورة تحقيق الاستقلالية التنظيمية والمالية لكل قطاع والرافضين لعقلية الركون للبيروقراطية والصراع على المواقع والمؤمنين بضرورة أن يلعب الإتحاد العام التونسي للشغل دوره في الدفاع عن الحريات والتصدي لسياسة القمع والتفقير.
إن هؤلاء النقابيين الخارجين عن دائرة تأثير البيروقراطية والمستقلين في مواقفهم سواء كانوا أفرادا أو مجموعات والذين لا ينشطون اليوم كاتجاه موحد داخل وخارج الإتحاد العام التونسي للشغل ولكنّ مواقفهم وممارساتهم تلتقي أثناء النضالات هم الذين يشكلون هذا التوجه المعارض اليوم: إنه واقع جديد نشأ على أنقاض عجز يسار نقابي انصهرت أغلب مكوناته بالبيروقراطية النقابية ولم يقدر تاريخيا على التشكل كاتجاه مستقل داخل الإتحاد العام التونسي للشغل.
إن هذه المعارضة ولئن كانت اليوم مشتتة ولا تنشط داخل الإتحاد كاتجاه معلن ومنظم فإنه بمقدورها أن تتحول إلى قوة نقابية كبيرة فاعلة من أجل نقابة في خدمة منخرطيها لو تبدأ العمل فورا على تجميع مكوناتها من أجل التوحد حول مشروع نضالي يكون قاعدة لكل مواقفها ونضالاتها لأنه توضح بالملموس أن النضال من أجل عمل نقابي مستقل ديمقراطي ومناضل فعلا يمر حتما عبر القطع مع سياسة الخضوع للأمر الواقع والمسايرة والركون للبيروقراطية. إنها الإمكانية الوحيدة القائمة اليوم للنضال ضد البيروقراطية النقابية وضد سياسة قمع الحريات والتفقير والخطوة الأولى في اتجاه إرساء استقلالية القطاعات الحل الوحيد لإعادة الاعتبار للعمل النقابي في بلادنا.
إن مهمة تجميع شتات هذه المعارضة النقابية المناضلة اليوم مهمة يفرضها الواقع وعلى النقابين الطليعيين والمناضلين العمل على إنجاز هذه الخطوة لتجاوز حالة الاستسلام السائدة الآن.
إن تجاوز حالة الضعف والتذبذب والاستسلام السائدة اليوم هو الحد الأدنى الذي يجب إنجازه إذا ما رامت هذه المعارضة الانخراط في فعل نضالي حقيقي على قاعدة موقف طبقي منحاز للأجراء ولعموم فئات وطبقات الشعب المضطهدة والمفقرة من أجل وضع حدّ للاستغلال والدكتاتورية والتبعية. إن المعارضات النقابية لم يتجاوز إلى الآن حدود التحريض ولم يتطور فعلها إلى ممارسة نضالية ميدانية.
إن على المعارضة النقابية المناضلة اليوم أن لا تتوقف في أول الطريق. إن عليها أن تخوض معركتها إلى الآخر وأن تبدأ فورا في تنفيذ مشروعها والتنقل للجهات والنقاش مع القطاعات وفي كل الأطر من النقابات الأساسية إلى الهياكل الجهوية والتحضير لمؤتمر تصحيحي تحت شعار: نحن هم الاتحاد نحن هم الحركة النقابية هم مجرد منقلبين فاسدين.
تونس في 02 جوان 2024