من كتاب منتصر السعيد المنسي . الكتاب الثالث من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العربي
بشير الحامدي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8102 - 2024 / 9 / 16 - 00:15
المحور:
الادب والفن
منتصر السعيد المنسي قبل أن يستقر مع لمياء وصديقتها في ضاحية المرسى كان قد فكر في الانتحار...
نعم الانتحار.
هو يعرف أن الانتحار جبن ولكن من يقدم عليه كان يراه غير ذلك.
كان الانتحار بالنسبة إليه أعلى درجات الشجاعة...
هو سيترك كل شيء خلفه سيترك كل معارفه، سيترك أحبابه، سيترك تاريخه... لم يكن يفكر في كل ذلك كان يفكر في شيء آخر تماما...
منتصر كان يفكر في شيء آخر. كان يفكر في طمس الحقيقة نهائيا...
كان يردد ولأيام: "الحقيقة لا يمكن طمسها إلا بالموت لذلك لابد من ترك الجميع على ما هم عليه، يجهلون نعم يجهلون."
هم ربما يعرفون أن منتصر السعيد هو القاتل ولكن لا يعرفون الحقيقة...
لا يعرفون لماذا قتلت الزُهرة ولماذا قتلت ناظم العربي...
أريدهم أن يبقوا لا يعرفون الأسباب الحقيقية التي يمكن أن لا يفهموها.
أنا في الحقيقة أريد أن أرأف بهم أريد أن أتركهم مستريحين.
كذلك أؤكد أنّ لا علاقة لقرار الانتحار بالشرطة... بالانتقام من الشرطة.
أنا لست خائفا من الشرطة... لست خائفا من اكتشاف أمري... ولكن للأسف في أيامنا هذه قد تعلم الشرطة كل شيء ولكنها تخفيه عن الناس... إنهم يزيفون الحقائق، يبتدعون "حقائق" أخرى وينشرونها للناس فيقتنعون بها... قد تكون الحقيقة مزعجة للبعض فيتفادون نشرها...
منتصر السعيد منذ مدّة فكر في الانتحار ولكنه تراجع في آخر لحظة لم يعد مقتنعا بالانتحار وبالاختفاء نهائيا وطمس الحقيقة.
منتصر السعيد كان قد كتب رسالة حين نوى أن ينتحر وأرادها أن تكون كلمته الأخيرة.
كلمته هذه وضعها على منصة للتواصل الاجتماعي وأغلق الصفحة وعزم على فتحها للعموم لحظات قبل أن يشرع في الانتحار...
ولكن بما أنه تراجع بقيت الصفحة مغلقة ولم يرها أحد غيره.
كان هو الوحيد الذي يعود إليها أحيانا ربما ليفهم لماذا كان اتخذ ذلك القرار.
كان دائما يتوقف في هذا الجزء من الرسالة:
"... ما عشته كان متعبا ومرهقا كنت مثاليا ولي صورة مثالية عن العالم والناس والعلاقات ولما اصطدمت بالحقيقة انهرت انهزم كل شيء داخلي ولم يعد هناك من معنى للبقاء على قيد الحياة.
يدمّرني إحساس عميق بأنني لست حقيقة تماما، بل إنني زيف مفتعل ومصنوع بمهارة، أنا أعيش هذا الإحساس... لا أريد أن أذهب إلى الموت وفي نفس الوقت أريد أن أتخلص من ألمي فلا أقدر...
قاومت وقاومت ... ولكن في الأخير أحاسيسي هي التي تغلبت....
وانتهيت إلى الهزيمة.
كانت الهزينة هي خلاصي وها أني أعلن بالصوت العالي هزيمتي وأجزم وأنا الآن في العدم أن الموت هو الأفضل.
الناس لا يعرفون أنّ فان جوخ انتحر، وبيتهوفين انتحر، وليوناردو دافينشي انتحر، ويستون شرشل انتحر، وايديسون انتحر، وهاروكي موراكامي انتحر، وخليل حاوي انتحر، ومايكوفسكي انتحر، وبوكوفسكي انتحر، وآخرون من المعروفين قد انتحروا... "
...
تونس.الحمامات. 15 سبتمبر 2024