المقطع الرابع من الفصل الثاني من نص -منصر السعيد المنسي- الكتاب الثالث من ثلاثية -ورقات من دفاتر ناظم العربي-


بشير الحامدي
الحوار المتمدن - العدد: 8111 - 2024 / 9 / 25 - 16:16
المحور: الادب والفن     

استفاق منتصر من إغفاءته على صوت قرقعة أبواب، وصياح وجلبة، لا يدري من أين تأتي ليرى بأم عينيه بعد دقائق كيف يسوق الشرطة الناس كالأنعام إلى غرف الإيقاف...
كيف يمعن الحراس الغلاظ الشداد في إهانتهم والدوس على حقوقهم وكرامتهم، كيف يكدسونهم في الغرف بالأسابيع ولا من يسائلهم ولا من يعترض...
وحتى من يعترض فمآله المزيد من الضرب والعزل الانفرادي وتلفيق التهم هذا إن كان من بين المجلوبين...
وإن كان من غير المجلوبين من السياسيين مثلا أو من أعضاء الجمعيات أو المنظمات فسي الغشام حاضر ليكذب الأمر ويعلن أن عهد التعذيب قد ولّى وذهب مع الديكتاتور وأن المواطن اليوم في مؤسسته مكرم مبجل ولا مجال للحديث عن دوس للكرامة أو إهانة أو ضرب أو تعذيب...
لقد ذهب كل ذلك فالأعوان المشرفون اليوم أعوان لهم شهادات من الجامعات المتخصصة ويعرفون جيدا معنى الكرامة ومعنى الحرية ومعنى الإيقاف التحفظي ومعنى الموقوف بريء حتى تثبت إدانته. وإن ما يقال مجرد أقوال لا أساس لها من الصحة صادرة عن متآمرين وخونة لاوطنيين هدفهم تشويه صورة النظام...
سي الغشام بارع في الكذب المكشوف خصوصا لما يظهر على الشاشات أو يستدعى لبعض حصص الإذاعات...
أنه هو صاحب الجملة الشهيرة "تو نحققو معاه وكان ما عندو شيء تو يروح".
وفي الحقية "حتى واحد ما روح من كل إلي حققو معاهم".
ـ أدخل ... أدخل... تمشي معوج... أشبيك أشكون ضاربك على زكك... أدخل نيك..."
ـ " تحرك انت زادة ازرب أدخل لنيكلك بوك...
ملا شلّة وملا هي الليلة...
ـ قالو نسهرو في الحومة والباهي فيهم معدي 5 حبس..."
ـ في أنصاف الليالي تحت الحيوط ريحتهم تضرب وقال نسهرو قال...
ليسهر راهو يسهر في دارو موش تحت الحيوط وقال أشنوة الحومة حومتنا....
هانا جبناك وتو وقت تتناك أمك تعرف أشنوة معناها نسهرو وأشنية معناها حومتك.
ـ تمتم بكلمات غير مسموعة و أضاف... دين رب الليلة...
ونظر الشرطي لزميله وقال:
ـ "يزينا الليلة فدينا... من حي التضامن للكبارية لسيدي حسين للملاسين... وين ماشين... يزي فك على زبي... ما عدتش خارج... عندي أولاد راهو ومرا تستنى فيا...
وسي الغشام كان حاجتو بموقوفين يمشي هو...
هاني الكراهب مكدسة يهز معاه خردة منهم وزوز أعوان ويمشي ويحيب إلى يحب...
أنا يزيني ...
ماعدش باش نخرج وخليه يعمل إلى يحب..."
كلام الشرطي لزميله سمعه الجميع.
منتصر السعيد المنسي سمعه أيضا من أوله لآخره.
وامتلأت الغرفة بالموقوفين...
فيهم المخمور وفيهم "أشكون متكيف زطلة" وفيهم من لا يتعاطى المخدرين أبدا ولكنه وجد بالصدفة في طريق الدورية فحملته...
ما جلب انتباه منصر السعيد أن من بين المجلوبين أنثى... نعم أنثى .
دقق فيها النظر فالغرفة لم تعد مظلمة تماما والنور الآتي من باب المكتب المقابل لها المخصص للحارس أشعّ فيها شيئا من الضوء الخافت يجعلك تستطيع أن تميز الأشياء والناس.
شحذ ذاكرته وأعاد ودقّق النظر فيها ولكنه عجز عن ربط الأحداث...
هو يعرف أن اسمها مريم لقد سمع العون حينما قال لها..." مريم انت أبقي رايضة ... ما نحبش نضربك راني حتان تو نهزوك لبيت النساء وغدوة ماك تو تجيب الشبكة متاعك لكل وترجعو تلفونات الناس وتتعدو للمحكمة...
عاد منتصر لشحذ ذاكرته... مريم ... مريم ...مريم...
بقي على ذلك الحال برهة ثم صاح بأعلا صوته ...
أه الشوهة... مريم الشوهة جابوها زادة... هي والله هي...
وجاءه صوت من بين المجلوبين:
" تعيط... تِسَكِرْ فمك علينا خلي الليلة تعدي على خير... مريم وإلا زعرة وإلا علجية آش يهمك فيها... سكر جلغتك خلينا رايضين"
سمع منتصر الصوت فلم يعره اهتماما... هو يعرف أن مجادلة هؤلاء لا طائل من ورائها.
هو متأكد من أنها هي "مريم الشوهة" كان يسمع بها منذ كان في باب الجديد.
حكايات كثيرة كانت تروى عنها وكيف أنها كانت لا تخاف السجن ولا تخاف الشرطة... لقد سمع كثيرا عنها وعن ألاعيبها وكيف أنها كانت لا تقضي إلا بعض الأيام في "السيفيل" لتعود لسجن النساء بمنوبة.
هو يذكر كيف كان ومن معه من شباب باب الجديد يرْوُون أخبارها ولكنه لم يرها إلا مرة واحدة في نهج المرّ. وقتها كان مع أصدقائه ومرت "مريم الشوهة" بجانبهم وما أن ابتعدت قليلا حتى قال أحدهم هامسا... أنظروا إنها "مريم الشوهة" لابد أنها خرجت من السجن.
مريم كانت طويلة القامة بيضاء بشعر أسود ومؤخرة بارزة شيئا ما تلبس سروال دجين ممزقا على فخضيها "وتي شورت" أصفر تبرز منه زنداها المكتنزان...
شيء واحد كان يعيبها هو أن وجهها كانت به كدمات كثيرة وآثار حرق و"سيكاتريسات" كثيرة...
يذكر منتصر وقتها أنه انسل من بين أصدقائه ولاحقها. كان يريد أن يرى وجهها ومن الصدف أنها وجدت في طريقها من استوقفها وبقيا يتحدثان برهة فتسنى لمنتصر السعيد رويئتها عن قرب...
وقتها كان قد كثر الكلام عن التنكيل بمن يقع إيقافه وفي نفس الوقت كثر الكلام أيضا عن جماعة تختص بالقصاص من الشرطة.
ومن بين ما يروى عن مريم أنها يوما وقعت في قبضة شرطي فساومها الشرطي بأن يطلق سراحها ولا يبلغ عنها شرط أن تمكنه من نفسها والحقيقة أن مريم يمكن مضاجعتها فكل مقومات المرأة الجميلة التي يّشْتَهَى ركوبها متوفرة فيها عدى وجهها...
فكرت مريم ثم أذعنت لرغبة الشرطي الذي اقترح عليها أن تمتصّ له ايره حتى يقذف وتلك طريقة في تفريج الكرب صار يلجأ إليها اليوم الكثير.
فتح الشرطي سلسلة سرواله و أخرج ايره المنتفخ ودعا مريم لشده ومداعبته فأذعنت وبعد مدة من المداعبة دعاها لتدخله فمها وتمتصه وما إن أولج الشرطي ايره في فمها حتى قبضت عليه بأسنانها وجرته منه إلى خارج المكان الذي كانا فيه وجعلت الناس يتجمعون حولهما وهو يتوجع ويتأوه وهي مرة تزيد في تشديد أسنانها عليه ومرة تخفف من ذلك واستمر ذلك زمنا طويلا وفي الأخير أطلقت سراح ايره بعد أن أدمته بما غرزت فيه من أسنانها وأضحكت عليه كل من كان في المكان أومن كان مارا ومن وقتها صار ذلك الشرطي يُنَادَى بالسيد .fellation
ويروى عنها أيضا أنها مرة دست في سترة الشرطي الذي يشغلها هي وشبكتها في نشل الهواتف هاتفا دون أن تنزع منه الشريحة التي تقود إليه دقائق قبل عودته لمنزله. وما إن عاد حتى طلبت رقم الشريحة فرن الهاتف في منزل الشرطي لتنتقل فرقة مختصّة من الشرطة وتجد نفسها في منزل ذلك الشرطي.
أفقل الشرطيان باب الغرفة الحديدي وذهبا.
انتشر الظلام الدامس من جديد في الغرفة...
مثل هذه الأجواء لم يعرفها منتصر السعيد. كان يراها مرات في الأفلام أو السلاسل البوليسية التي كان يشاهدها قبل أن تتغير أوضاعه...
مثل هذه الأوضاع لا تساعد إلا على التفكير في النفس... كان يخشى هؤلاء الوافدين الجدد على الغرفة... فقد تعلم أن يكون حذرا دائما.
أسند رأسه على الجدار ومدّ رجليه وبقي على تلك الحال. لم يمرّ زمن طويل حتى تكلم أحدهم وقال:
ـ شعول بربي... أشكون عندو... كفنت سيقارو والعون وقت فركسني ما فاقش بيه...
وبرق في الظلمة نور منطلق من ولاعة كانت بحوزة أحدهم ولكنه قبل أن يسلمها لمن طلب "الشعول" جعل يدور في الغرفة يستكف الموجودين ويقرب النور من الوجوه إلى أن ارتفعت حرارتها فتركها تنطفأ وسلمها لمن طلبها قائلا...
ـ ما تنساش صاحبي كمية وإلا ثنين معاك...
تكلم ثالث وقال:
زعمه كلنا موقوفين صاحبي وإلا ثمة الغاشي... المهم الوحد يعرف آش يقول... الثقة لا...
الشرطة صارت تدسّ قوادين في غرف الإيقاف وهؤلاء يأتونها بما تعجز عنه وبما لا يصرح به الموقوفين للأعوان أثناء بحثهم...
وعاد الصمت وخيم من جديد في الغرفة.
الصمت والظلمة ياسر علينا قال منتصر... أشبيكم تكلمو ما ثمان أشكون غاشي بيناتنا كلنا موقوفين...
ما تخافوش من حتى واحد... نأكدلم إلي ما ثمة شيء كلو سافا...
قهقه أحدهم لما سمع كلمة "كلو سافا" توقف عن الضحك وقال:
أشنوة لكلو سافا...
علاش تتحدث صاحبي...
تخدم إنت؟
تخرج مع صاحبتك وجيبك معبي؟
يحييك البوليس إنت وقت تتعدا في الشارع وإلا يقلك أوراقك وآش تعمل...
تنجم تقول لتحب في فايس بوك وإلا تخاف تتهز...
عندهم حق إلى هجو منها... والله نبيع الزطلة ونبات في القناطر في الطليان خير من هنا...
تعرف حتى الطبّة والمهندسين فدّومنها وهانو لتتوفرلو فرصة يخطفها ويقلهم باي باي خليتهالم واسعة وعريضة...
الحنانة برك باش تتفكرو وتتوحشو وتحزن عليه.
تكلم آخر وقال:
الدولة زادة ما تنساهاش يا هذا... الدولة باش تتفكر زادة وتتوحش وتحزن...
الناس لتتحدث عليهم ما يذكروش فضلها عليهم... هي لقرتهم وكبرتهم وعطتهم الشهايد الطبيب طبيب والمهندس مهندس والمعلم معلم وفي لخر يعطوها صبع الوسط...
يخرجو يخدمو بشطر شهرية القاوري... ويني الحقوق ليحكو عليها وين كرامتهم وينو عدم التمييز...
الغرب راهو حقايقي كان مع أولادو والبراني يبقى براني... برا شوف les sans papiers قداش عددهم في فرانسا وطاليا وكيفاش عايشين...
يزينا يعيشك قالو فدّو منها... قول هوما ما يجو شيء نفهمك.
تكلم صوت أنثوي قال: الدولة قلت باش تتفكر زادة وتتوحش وتحزن... موش صحيح.
الدولة يهمها البوليسية والجيش ما يلوحوش سلاحهم وهوما زادة ما يقولولهاس باي باي...
بربي يزينا من الكلام الفارغ. عندهم الحق الطبة والمهندسين يخرجو يشيخو يتفرهدو على الأقل يخدم ويروح مطمان ويرقد مطمان ويعيش حياتو مطمان...
تعرف صاحبي هنا رانا ما عدناش نعرفو آش معناها نرقد مطمان... أنا بصراحة ما نرقد مطمانة كان في الحبس.
قهقه أحدهم وقال :
ـ مريم انت راك فارة حبس مانتحدثوش عليك....
ـ زبور أمك... أنا فارة حبس يا هامل يا منيك... تحسابني كيفك الحيط الحيط... برا نيك... انت ماكش راجل أصلا... والحديث هذا موش ليك.
إنت ماك ما تفهم شيء... تحب كان تعلف وأكا هو والله وكان جيت ربي ألما انحيلك مخك الخامج هذاكه ونحط في بقعتو ياجورة... يا مجودر يا إنت...
مريم لا شك أنها تعرف هذا الذي تخاطبه وإلا لما كانت بهذه الجرأة معه.
هي تعرف أن الواحد من هؤلاء لا يتحمل أي إهانة خاصة لما تأتي من موقوف مثله لذلك انطلق لسانها بفضيع الكلام و أقذره...
سمعها ذلك الذي قال لها أنت "فارة حبس" ولم يعلق بشيء.
وعاد الصمت وخيم من جديد.