تونس: كلمات لمن لم يقرأ بعد رواية عبد الرحمان براهمي - الحب في زمن اليأس-


بشير الحامدي
الحوار المتمدن - العدد: 8022 - 2024 / 6 / 28 - 02:52
المحور: الادب والفن     

القراءة متعة ما بعدها متعة والكتابة أيضا…
ولكن الكتابة مضنية عصية قد تبقيك شهرا واقفا على رجل واحدة
وقد تتركك تتلوى ضائعا مثل من هجره كل شيء يحبه فبقي جائعا دون طائل…
أعتقد أن كتابة الأستاذ عبد الرحمان البراهمي في روايته "حب في زمن اليأس" ينطبق عليها مثل هذا القول…
لست ناقدا ولكني أدعي أنني مطلع قليلا على عوالم الرواية وعوالم النقد وما سأكتبه قد لا يدخل في باب النقد بقدر ما يدخل في باب التقديم أو ما يعبر عنه في الفرنسية بـ: Avant-goût
قرأت النص فتمتعت كثيرا لقد حملني لعوالم أعرفها ولأماكن وأزمان أعرفها ولأشخاص قد عاشرت أمثالهم وعشت بينهم.
المهم كثيرا فيما كتبه عبد الرحمان هو أنه قدّم لك هؤلاء الأشخاص دون بروتوكولات الرواية أو القصّة.
فأنت مباشرة تجد نفسك تجاه شخوص تعتقد في قرارة نفسك أنك تعرفهم لمين ألا تعرف لمين؟
وفاطمة ألا تعرف فاطمة؟
وفجرة ومحسن وخديجة ألا تعرفهم؟
نعم لا تستغربوا فللرواية بروتوكولات وللقصة أيضا برتوكولات تثقل المعنى وتضاعف وزن الكتابة وتُرَهِلَهَا… تصيبها بالسمنة المرضية.
رواية "حب في زمن اليأس" تخلصت من ذلك تماما فأنت ستجد نفسك مباشرة في مواجهة المشكل وليس المشكل فقط بل في مواجهة الشخصية والبحث معها عن حلول للمشكلة التي وقت فيها وأوقعتها.
عبد الرحمان البراهمي خلّص نصه من كل الزائدات جعله خفيفا عميقا
ونجح في ذلك…
إنها رواية دون زائدة دودية خالية من الدهون المرضية.

نعم لقد نجح وهو يطرح أثقل وأعسر وأعمق فكرة واجهت الإنسان منذ الأزل وأسالت وديانا وأنهارا من الحبر عبر كل العصور وهي مشكلة الحب المستحيل أو الحب الذي يراد له الاستحالة…
الحب الذي لا يتحقق… العلاقة التي تموت تنتهي… ولكنها في الحقيقة لا تنتهي إنها تعاد في كل آن وفي كل مكان
يا لهذه الدراما المخلّدَة… يا لمآسينا كم نستلذها…
النص عميق الغور قد يأخذك لمسارب أخرى… قد يغرقك الكاتب فيها ولكن لبلوغ كل ذلك لابد أن تكون عارفا بالأستاذ بمواقفه بأرائه وأفكاره وسيرته…
أعتقد أن رواية سي عبد الرحمان يمكن إدراجها تحت عنوان السيرة ليست السيرة الذاتية ولكن السيرة والفرق بيّن وشاسع بين الكلمتين المفهومين.
قد تجد نفسك مورطا لنسيان أو استبدال لمين بـ… أو فاطمة بـ… أو خديجة بـ… أو معيوفة بـ…
ستكون تلك ورطتك صديقي القارئ لأن من سيكون البديل قد يكون عليهم لغط كبير ومن كل الجهات قد تتورط مع الشخصيات التي يوحي لك بها سي عبد الرحمان دون تصريح ولكن هذا كما قلت يتطلب منك أن تكون قد تعرفت على الكاتب وسيرة الكاتب.
رواية عبد الرحمان براهمي رواية تورية عميقة ولحل شفرتها سوف لن تكون مضطرا لغير قليل من الصبر على أمة طال ويطول نومها أمة مكبلة بكل أسباب العجز أمة مبحرة في صحراء قاحلة زادها عادات وتقليد بالية ليس لها حلول غير مزيد الغرق في الأوحال وربما نهايتها الموت بلا فائدة…
رواية عبد الرحمان هي رواية النار ولا العار نار لمين ماء وغرق ونار فاطمة موت زلال في الأبيض الناصع. نهاية الرواية لا تكون إلا كما ارتآها كاتبها الذي قال على لسان لمين "… خذني إليك أيها البحر… أنقذني من هذا الوجود…" وقبل ذلك كان قد كتب أن فاطمة سافرت إلى عالم العدل… ترتدي الثوب الأبيض… روحها تنظر إلى هذا العالم بازدراء هازئة، ساخرة.
27 جوان 2024