14/16 غشت 1991.. انتصارُ معركة الشهيدين الدريدي وبلهواري..
حسن أحراث
الحوار المتمدن
-
العدد: 8069 - 2024 / 8 / 14 - 10:20
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
انطلقت معركة الشهيدين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري يوم الأربعاء 04 يوليوز 1984 بسجن بولمهارز بمراكش. كان ذلك بعد صدور الأحكام (محكمة الاستئناف) وبعد نقاشات ماراطونية في صفوف مجموعة مراكش.
توقّفت المعركة بعد استشهاد الرفيقين بوبكر ومصطفى وبعد الوعود المقدَّمة لنا مباشرة بمستشفيات مراكش واسفي والصويرة بتلبية كافة مطالبنا وبحضور الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في شخص رئيسها حينذاك علي أومليل.
لكن تلك الوعود وبعد العودة الى السجن لم تتحقّق على أرض الواقع باسفي ومراكش.
وبعد نقاشاتٍ في صفوف المجموعة الموزّعة على سجون مراكش واسفي والصويرة ومستشفى المامونية (ابن زهر) بمراكش، تقرّر من طرف رفاق الشهيدين (8) استئناف المعركة وبإضافة مطلب جديد هو التجميع بسجن واحد.
وأذكر للحقيقة والتاريخ مرة أخرى ومن أجل الإنصاف، قرّر الرفاق بالصويرة استئناف المعركة رغم أنهم كانوا يتمتعون بكل نقط الملف المطلبي، وهم أحمد/جمال البوزياني وكمال سقيتي/سكيتي والحسين باري ومحمد خشال (لم يستمر في المعركة). لهم كل التحية والتقدير..
انطلقت معركة الشهيدين من جديد، وذلك بعد عدة محطات إنذارية، ومن بينها إضراب عن الطعام إنذاري دام 25 يوما.
انطلقت معركة الشهيدين من جديد وفاءً للعهد الذي جمعنا والشهيدين بالزنزانة رقم واحد (1) بحي العزلة على قاعدة "لا للولاء"..
انطلقت المعركة في شقها الثاني في 23 يونيو 1985، واستمرت حتى سنة 1991 وفي ظل حصار تام (الزيارة ممنوعة طيلة تلك الفترة بما في ذلك زيارة العائلات والتقييد الى الأسرة والتأكيل القسري عبر الأنف وبواسطة المسبار...).
ماذا حصل في 14/16 غشت 1991؟
صبيحة يوم 14 غشت 1991، امتلأ الدهليز بالمستشفى الجامعي ابن ر شد (موريزكو) بالدار البيضاء الذي كنا نحتضر داخله في صمت بكافة أصناف الأجهزة القمعية (RG وDST...)؛ وحتى عناصر الحراسة لم تتمكن من معرفة ما كان يجري.
للعلم، غادر السجن أو دهليز ابن رشد كل من الرفيق أحمد/جمال البوزياني بعد مرور أربع سنوات والرفيق كمال سقيتي/سكيتي بعد مرور خمس سنوات والرفيق الحسين باري بعد مرور خمس سنوات..
كنا نور الدين جوهاري وأنا بغرفتين/زنزانتين منفردتين. كان كل واحد منا يواجه عزلته/مصيره بما أوتي من قوة ورباطة الجأش بعد تكسير الطاهر الدريدي الإضراب عبر محاولة فرار فاشلة سنة 1989..
تساءلنا وسألنا عن الأجواء غير الطبيعية بالدهليز، لكننا لم نتوفق في الحصول على جواب مضبوط..
استمرت حيرتنا حتى موعد مداومة رفيقتي "سرا" حينذاك نعيمة الزيتوني، ووضعت حدا لحيرتنا..
ألا تعلمون، لقد أُذيع عبر وسائل الإعلام ليلة الأمس خبر الإفراج عن المعتقلين الذين اعترفوا بمغربية الصحراء..
كان جوابي: لسنا معنيين بالأمر، لم يستشرنا أحد وموقفنا ثابت..
كان رد رفيقتي بتهكُّم: قولوا لهم "الصحراء مغربية من هنا حتى الغابون"..
تبادلنا نظرات الأسى والأسف خِلسةً من أعين الحراس "المتعاطفين"..
وبالمناسبة، فجُلّ الحراس بالدار البيضاء أنفا وبعد حوالي ست (6) سنوات يكِنّون لنا الاحترام والتقدير..
مرّ يوم 14 غشت دون كشف حقيقة ما كان يجري..
مرّ يوم 15 غشت ولا أحد غير رفيقتي كشف لنا "سر" ما جرى وما كان يجري..
وفي منتصف يوم 16 غشت 1991، امتلأت غرفتي/زنزانتي بجيش من أجهزة القمع بزيها المدني والعسكري.
نطق أحدهم: "عْفا عليكم سيدنا"..
وبادر أحد الحراس بانتزاع القيد (MENOTTES) الذي كان يكبّلني بالسرير، ومباشرة انتزعت المسبار الذي كانوا يمارسون بواسطته التأكيل القسري في حقنا..
ليشهد الحراس وباقي الأجهزة القمعية والأطباء (ومن بينهم قوميحة والحسين الوردي، وزير الصحة سابقا، والحسين بارو وبن عكيدة والمتوكل وآخرون...) والممرضون (من بينهم رفيقتي نعيمة الزيتوني...) وغيرهم ممن كانوا يتابعون الجريمة (إدارة المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد) التي اقتُرفت في حقنا لأزيد من ست (6) سنوات، ليشهدوا على صمودنا وعلى قتاليتنا طيلة فترة المعركة..
صدر في حقنا (جوهاري وأنا) عفوٌ دون أن نطلبه ودون حتى أن نتوقّعه..
ويُشرِّفني أن اسمي تذيّل قائمة المُعفى عنهم (39) في 16 غشت 1991، وتُهمتي "المؤامرة الغاية منها قلب النظام". وإنه شعار حركة 20 فبراير 2011 "الموؤود" في صيغة "الشعب يريد إسقاط النظام"..
وحسب شهادة مدير سحن عين برجة بالدار البيضاء حينذاك، فقد أُضيف اسمي واسم رفيقي نور الدين جوهاري الى اللائحة في آخر لحظة وعبر الهاتف..
فما كان سيُطلق سراحُنا لولا وزن معركتنا السياسي، معركة الشهيدين، وتضامن العائلات والعديد من الرفاق والمناضلين من داخل السجون ومن خارجها. لهم كل التحية والتقدير..
فأي "انفراج" ومعركتنا مُستمرّة، خاصة وبرمجة "تصفية" وضعية تازمامارت؟!!
إنه للتاريخ، انتصار معركة الشهيدين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري..
أن نغادر السجن، قبل الأوان ودون أي تنازل أو خضوع وعلى رؤوس الأشهاد، بل أن نغادر دهليز ابن رشد بالدار البيضاء ونحن مكبَّلان ومضربان عن الطعام، إنه انتصار لقضية عادلة ولكافة القضايا العادلة..
الخلاصة رقم 1: استمرت معركة الشهيدين بكل عنفوان وصمود رغم إجرام النظام القائم في حقنا وفي حق عائلاتنا ورغم مناوراته وأساليبه الترهيبية ومنها خطة "فرق تسد"، وانتصرت المعركة يوم 16 غشت 1991؛
الخلاصة رقم 2: كل المعارك النضالية ستنتصر آجلا أم عاجلا، شريطة الاقتناع بها من طرف أصحابها أولا، وثانيا الصمود في وجه القمع والتضييق والمؤازرة والدعم من طرف المناضلين المعنيين بقضية شعبنا وبكل القضايا العادلة...
وخلاصة الخلاصات: لا تنتصر القضايا العادلة، قضايا الشعوب المضطهدة، إلا بعد الصمود والصمود والصمود..
لنواصل معركة شعبنا وفي شقٍّ منها النضال من أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين..
كلنا من أجل إطلاق سراح الطلبة المناضلين ومعتقلي الريف المناضلين وكافة بنات شعبنا المناضلات وأبناء شعبنا المناضلين، ودون أي رهان على العفو أو على أي شكل من أشكال الريع. إن الحقّ يُنتزع ولا يُعطى..
إضافةٌ للعبرة النضالية، وبعيدا عن التفاهات ومعارك الهامش:
خاض عشرةُ مناضلين إضراباً لامحدوداً عن الطعام من أجل تحقيق ملفٍّ مطلبيّ شامل (الزيارة المباشرة ووسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة ومتابعة الدراسة وتحسين شروط الاعتقال من تغذية وفُسحة ونظافة...)،
والرفاق العشرة الذين خاضوا المعركة منذ بدايتها حتى النهاية، أي حتى الانتصار، للحقيقة والتاريخ وإنصافاً لهم، خاصة وتضخُّم "أنا" النكرات والأقزام في زمن الرِّدة والانبطاح:
- الشهيد بوبكر الدريدي من مراكش (5 سنوات)؛
- الشهيد مصطفى بلهواري من مراكش (10 سنوات)؛
- الفقيد الحبيب لقدور من هوارة (12 سنة)؛
- عبد الرحيم سايف من وادي زم (10 سنوات)؛
- الطاهر الدريدي من مراكش (10 سنوات)؛
- نور الدين جوهاري من وادي زم (8 سنوات)؛
- كمال سقيتي/سكيتي من مراكش (5 سنوات)؛
- الحسين باري من زاوية أيت إسحاق (5 سنوات)؛
- أحمد/جمال البوزياني من مراكش (4 سنوات)؛
- حسن أحراث من مراكش (15 سنة).
للتاريخ والحقيقة كلمتهما التي لا يُعلى عليهما...