العيب في -المدافعين- عن قضية الشعب..


حسن أحراث
الحوار المتمدن - العدد: 8140 - 2024 / 10 / 24 - 00:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

قضية شعبنا عادلة، لأن شعبنا يتوخى التحرر والانعتاق من قبضة الاستغلال والاضطهاد نحو النور والحياة الكريمة، ولا يتردد في دعم والتضامن مع الشعوب المضطهدة التواقة بدورها الى الحرية والمستقبل السعيد ومن بينها الشعب الفلسطيني. ولا غرابة أن يرفض تطبيع النظام القائم مع الكيان الصهيوني وأن يدين إجرام هذا الأخير في حق الشعب الفلسطيني، وهو الإجرام الذي تزكيه، بل وتغذيه الرجعية والصهيونية والامبريالية.
لماذا لم تنتصر قضية شعبنا إذن؟
أولا، تحميل المسؤولية للشعب لا ينم عن الجهل فقط، بل يدل على التواطؤ مع النظام ويكشف لعبة تبرير حربه الطبقية ضد شعبنا، هذا الأخير المستهدف في ماضيه وحاضره ومستقبله. إن النظام القائم يلجأ الى كل أساليب الترهيب والترغيب والتضليل لتركيع شعبنا الذي يأبى الركوع، وقد قدم للتاريخ وبشموخ الشهداء والمعتقلين السياسيين والتضحيات الجسام..
ثانيا، لأن النظام القائم في خضم الصراع الطبقي لا ولن ينصاع عن طيب خاطر، فلا يكفي أن تكون القضية عادلة لتنتصر. فمصالحه الطبقية تفرض عليه اللجوء الى الحديد والنار لتركيع الشعب وإذلاله، بما في ذلك توظيف "أبنائه" في مؤامرات وعمليات توسيع إجرامه وتنزيل مخططاته الطبقية المُملاة من طرف الامبريالية ومؤسساتها المالية صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. وكلنا يتذكّر تصدي النظام للانتفاضات الشعبية بالرصاص الحي والاعتقالات العشوائية والمنظمة والتعذيب والمحاكمات الصورية. وكلنا يتذكر تواطؤ الأحزاب السياسية والقيادات النقابية والعديد من "الزعماء" المصنوعين والمتورطين في الكثير من الأحداث المشؤومة ومنها "إيكس-لي-بان". وباختصار، فالمعادلة "السليمة" تقوم على "أن يكون أو لا يكون".
ثالثا، لأن المدافعين حقا عن قضية الشعب أضعف من أن يواجهوا النظام القائم. فرغم كل التضحيات المقدمة من شهداء ومعتقلين سياسيين ومشردين، لم يستطيعوا التجذر وسط الجماهير الشعبية المعنية بالتغيير الجذري. ونظرا لتواضع إمكانياتهم تجدهم منشغلين بالضغط اليومي الذي يستنزفهم أكثر من انشغالهم بالارتباط المنظم بذوي المصلحة في الثورة، خاصة العمال والفلاحين الفقراء. ولأن النظام لا يرفّ له جفن أو يهدأ له بال، فإنه بالمرصاد لكل المبادرات النضالية المزعجة التي من شأنها فتح الأفق الثوري..
وما أضعف ويُضعف المدافعين حقا عن القضية وجود "مدافعين" عن مصالحهم البورجوازية (البورجوازية الصغيرة والمتوسطة) ومصالح النظام وقاعدته الطبقية (الكمبرادور والملاكين العقاريين) باسم الدفاع عن قضية الشعب، أفرادا وتنظيمات. وتجدهم في كل المواقع السياسية والنقابية والجمعوية، كما تجدهم في خندق الرجعية والإصلاحية وحتى في الخندق الثوري كمندسين لتخريب المشروع الثوري. لقد انتبه النظام الى أن القمع وحده لن يفيد في تحييد المدافعين حقا عن القضية، ولجأ الى التضييق عليهم وعزلهم من خلال زرع الألغام في حقول الفعل، وأخطر الألغام المندسين. وأيضا احتضان المدافعين شكلا واستقطاب المتذبذبين والانتهازيين وتوظيفهم لإجهاض المعارك النضالية للعمال والفلاحين الفقراء والطلبة والمعطلين. وأخطر ما لجأ اليه النظام إشراك رموز من ضحايا القمع السياسي السابقين في كذبة "الإنصاف والمصالحة" وفي تجاوز الأعطاب التي تلاحقه باستمرار. ولم يفُته الاستفادة من الفرص التي يوفرها مجال التواصل الاجتماعي (المواقع الالكترونية المشبوهة التي يتهافت على ميكروفوناتها وشاشاتها أشباه المناضلين) وكذلك أحدث تكنولوجيا التجسس..
ما هو المطلوب الآن؟
المطلوب، أو بعض المطلوب باختصار هو:
أولا، تطوير أداء المدافعين حقا عن القضية وإبداع أشكال فعل نضالية قادرة على التأثير في مجريات الصراع الطبقي باعتماد التحليل الملموس للواقع الملموس والنقد والنقد الذاتي والمحاسبة في إطار التقييم المستمر الفردي والجماعي، وبما يوفر شروط التواصل مع أوسع الجماهير الشعبية وتنظيمها وتأطيرها، وخاصة الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء. ويعد التنظيم السياسي الآلية المطلوبة بإلحاح للخروج من عنق الزجاجة، أي الحضور بالساحة السياسية، موقفا وممارسة، والقطع مع التيه وسط غابة الجبهات والشبكات والائتلافات. فلن يستطيع المناضل أو مجموعة من المناضلين تغيير موازين القوى السياسية بواسطة مجهوداتهم الذاتية وتضحياتهم فقط. كما أن الإعلام وحده، ومنه الإلكتروني، غير كاف لتسجيل الحضور الميداني المنظم الى جانب معارك العمال وتطوير الوعي الطبقي لديهم. إن التحالفات السياسية مطلوبة، لكن القوى السياسية المعنية بالتحالف المطلوب غائبة حتى الآن. فهناك قوى سياسية محسوبة على اليسار تشتغل من خلال ما يسمى ب"المؤسسات" عبر اللعبة "الديمقراطية" المُؤَطَّرة بالدستور الممنوح الى جانب القوى الرجعية مباشرة، وهو ما يعني الاشتغال تحت جناح النظام وتحت سقفه. وهناك قوى سياسية أخرى محسوبة بدورها على اليسار تشتغل الى جانب القوى الظلامية كقوى رجعية، وهو طريق سيار الى أحضان النظام، ونحذر من ركوبه تحت أي مبرر كان، بما في ذلك إسقاط تجربة المقاومة الفلسطينية على واقع مختلف تماما، وبالتالي تغييب معطيات الواقع الفاضحة ومنها خدمة القوى الظلامية للنظام ومشروعه الطبقي الرجعي واغتيال المناضلين (بنجلون وبوملي وأيت الجيد). ويقتصر الأمر في صفوف هذه القوى جميعها بنقاباتها وجمعياتها على التنسيق عبر آليات الهامش السياسي (الجبهات والشبكات والائتلافات...).
ثانيا، فضح "المدافعين" عن مصالحهم وعن النظام باسم الدفاع عن قضية الشعب. ومن بين أشكال الفضح عدم تزكيتهم بالنقابات والجمعيات أو السكوت عن فضائحهم وعن تخاذلهم ورفض الاشتغال الى جانب الهيئات الرجعية وضمنها القوى الظلامية والشوفينية بمختلف آليات التنسيق التي تهم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أو قضايا الشعوب المضطهدة. فلا يمكن أن تساهم القوى الرجعية في خدمة قضايا الشعب والشعوب الأخرى..
وأسوق في الأخير صورة مُعبِّرة عن "عيب" بعض المدافعين عن قضايا بنات وأبناء الشعب، ومن بينها معركة عاملات وعمال سيكوميك بمكناس التي تكشف "عيوبنا" جميعا.
اجتمع يوم 21 أكتوبر 2024 ممثلو بعض "الإطارات السياسية والحقوقية" و"فعاليات مستقلة" (عن بلاغ بهذا الصدد) بمقر حزب الاشتراكي الموحد بهدف تشكيل لجنة تضامن مع عاملات وعمال سيكوميك بمكناس في معركتهم البطولية، وذلك بعد أكثر من ثلاث سنوات من الطرد وبعد حوالي أربعة أشهر من الاعتصام بالشارع العام.
والغريب هو غياب العديد من الهيئات السياسية والنقابية والجمعوية التي لا تفوتها أي مناسبة دون التشدق بخدمة قضية الشعب. والأغرب أن يحضر من هب ودب، بمن في ذلك أطراف رجعية متورطة الى جانب النظام في تمرير العديد من المخططات المدمرة التي لا تخدم قضية الشعب. والأسئلة هنا تعنينا جميعا، وخاصة من حضر الاجتماع.
إن خدمة العمال لا تتأتى من خلال تزكية أعدائهم وإضفاء المشروعية على مناوراتهم الماكرة. وليس أبلغ في هذا السياق من مقولة الشهيد غسان كنفاني "إذا كُنا مدافعين فاشلين عن القضية.. فالأجدر بنا أن نُغير المدافعين، لا أن نُغير القضية!"