المحكمة الجنائية الدولية: أي مصداقية؟!


حسن أحراث
الحوار المتمدن - العدد: 8172 - 2024 / 11 / 25 - 22:50
المحور: القضية الفلسطينية     

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مؤخرا "مذكرة" اعتقال بحق المجرمَين الصهيونيين المدعويْن على التوالي بنيامين نتنياهو ويواف غالانت، و"مذكرة" اعتقال أخرى بحق محمد الضيف (إبراهيم المصري، القائد العام لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس)؛ وذلك بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
أولا، المحكمة الجنائية الدولية تضع من خلال "المذكرتين" الكيان الصهيوني وحركة حماس في نفس السلة (تهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية)؛
ثانيا، ما أبشع أن يُهلِّل البعض، ومنهم "مناصرين" للقضية الفلسطينية وأيضا مناصرين لحركة حماس، بما أسموه "جُرأة" المحكمة الجنائية الدولية. وتجدهم ينشرون فقط المذكرة الأولى المتعلقة باعتقال المجرمين الصهيونيين المدعوين على التوالي بنيامين نتنياهو (رئيس حكومة الكيان الصهيوني) ويواف غالانت (وزير الدفاع السابق في مجلس الحرب للكيان الصهيوني) !!
إن إخفاء الحقيقة أو نصفها يدين أصحاب هذا السلوك/الموقف المشين ويشكك في مصداقيتهم قبل التشكيك في مصداقية المحكمة. وقد لا تبدو غرابةً في الأمر، مادام أصحاب هذا السلوك/الموقف مُدمنين على تبرير ما لا يُبرّر والتجييش لفائدة مواقف مهزوزة، ومنها اختزال المقاومة الفلسطينية عبر تاريخ حافل بالتضحيات في بعض "فصائلها"، أي حركة حماس، أو اختزال فلسطين بكاملها في غزة.
إن الأهم من ذلك كله هو أن المحكمة الجنائية الدولية (أنشئت سنة 2002) ليست "مؤسسة" دولية مستقلة أو عادلة/نزيهة. إنها آلية تخدم كما باقي آليات الامبريالية (الأمم المتحدة، محكمة العدل الدولية...) مصالح وأهداف هذه الأخيرة ومصالح وأهداف الرجعية والصهيونية. إنها آلية موالية تحت الطلب، ولو لم تكن كذلك لما رأت النور أو استمرت على قيد الحياة. ولنا في الواقع المأساوي الذي نعيشه ما يعبر عن ذلك ويؤكده..
فإصدار هاتين المذكرتين في هذه الظرفية بالذات لا ولن يجعلنا ننسى صمت هذه المحكمة على العديد من الجرائم المقترفة الأخرى (جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية) وبمناطق متعددة. إن لنا ذاكرة قوية وذكاء كاف لفضح الخلفية السياسية الكامنة وراء هذه الخرجة "المحسوبة". فإلى جانب مناورة مساواة الضحية والجلاد المسكوت عنها بسوء نية، هناك محاولة الالتفاف على الدعم والتضامن العالميين مع القضية الفلسطينية. إنها مناورة خبيثة لامتصاص الغضب الدولي تجاه الصهيونية والكيان الصهيوني..
كلنا يعلم أن هناك ما يسمى بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن تقديم شكاوى من قبل الأفراد والبروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بهدف العمل على إلغاء عقوبة الإعدام) وهناك ترسانة من الاتفاقيات والمعاهدات والعهود الدولية لحقوق الإنسان. لكن، هل لها من أثر على أرض الواقع، وخاصة على أرض الشعوب المضطهدة، ومن بينها الشعب الفلسطيني؟!!
هل فلسطين، أطفال وشيوخ ونساء ورجال، غير معنية بهذه الترسانة التي "تُشنِّف" أسماعنا و"تسْحر" أعيُننا وبالأيام الدولية لحقوق الإنسان (اليوم العالمي لحقوق الإنسان واليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني واليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة واليوم العالمي لحقوق المرأة واليوم العالمي لحقوق الطفل واليوم الدولي للقضاء على الفقر واليوم الدولي للديمقراطية...؟!!
إن القانون عموما يخدم الأنظمة الرجعية القائمة والقاعدة الطبقية لهذه الأنظمة. فهل يُطبَّق القانون ببلادنا على الجميع؟!!
هل القضاء ببلادنا مستقل حقّا ونزيه حقّا؟!!
وحتى على الصعيد الدولي، من يصدق نجاح ما سمي "ورش العدالة الانتقالية"، ومنه ببلادنا كذبة "الإنصاف والمصالحة"؟!!
ولمن له ذاكرة نزيهة حقّا، ماذا كان مصير المجرم بينوشي بالأرجنتين؟!!
اعتُقل بلندن في 17 أكتوبر 1998 بموجب مذكرة توقيف دولية صادرة عن القاضي غارثون من إسبانيا. وبعد عدة معارك "قانونية" ولأسباب وأخرى ("صحية" وسياسية و"قانونية") والتي ليست في العمق إلا ذرا للرماد في العيون، "انتصر" كالشعرة التي استلت من العجين، وعاد الى الارجنتين في 03 مارس 2000 تحت تصفيقات أنصاره (وُضع مرة أخرى تحت الإقامة الجبرية في 28 نوفمبر 2006 في قضية قافلة الموت). و"يُحكى" أنه في أبريل 1999، دعت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر والرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الحكومة البريطانية إلى إطلاق سراحه. وأكثر من ذلك، قيل إن تاتشر أرسلت إلى بينوشيه زجاجة ويسكي، مع رسالة مفادها "سكوتش مؤسسة بريطانية لن تخذلك أبدًا". ولسوء الصدف، توفي في 10 دجنبر 2006، اليوم العالمي لحقوق الإنسان..
وهل تعلمون كم زجاجة ويسكي سينعم بها كلٌّ من المجرمين الصهيونيين المدعوين على التوالي بنيامين نتنياهو ويواف غالانت، وكم من مؤسسة صهيونية ومن المغرب ستدعمهما؟!!
الخلاصة: الحقيقة فاضحة..
إضافة: أعلن "الجيش" الصهيوني اغتيال القائد العام لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس اثر غارة جوية على غزة في يوليوز 2024، ولم يصدر عن حركة حماس أي توضيح حول الموضوع..