الدريدي وبلهواري شهيدان خالدان..


حسن أحراث
الحوار المتمدن - العدد: 8076 - 2024 / 8 / 21 - 04:47
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية     

لا ينتمي الى الشموخ إلا شامخا..
اعتُقل الشهيدان بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري بمراكش إثر الانتفاضة الشعبية لشهر يناير 1984، انتقاما من ديناميتهما النضالية بالثانويات والجامعة (كلية العلوم بالخصوص) والى جانب أوسع الجماهير الشعبية. ومعلوم أن انتفاضة يناير 1984 امتدت لأيام وعلى رقعة واسعة شملت العديد من المدن والمناطق المغربية، باستثناء مدينة الدار البيضاء التي كانت "مُعسكرة" عن آخرها بسبب انعقاد "قِمّة إسلامية" بها..
تمّ الحكم على الشهيدين الخالدين على التوالي في إطار مجموعة مراكش 1984 بخمس (5) وعشر (10) سنوات سجنا نافذا.
بعد النطق بالأحكام القاسية (من سنة واحدة الى خمسة عشر سنة سجنا نافذا) في حق كافة معتقلي المجموعة (44 معتقلا سياسيا)، احتدم النقاش حول الصيغة النضالية لانتزاع مطالبنا. وفي الأخير استقر قرار الشهيدين ورفاقهما على خوض إضراب لامحدود عن الطعام ورفع ملف مطلبي شامل. وأهم المطالب المرفوعة:
- الاستفادة من وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية؛
- السماح بالزيارة المباشرة للعائلات والأصدقاء والرفاق في أكثر من يوم واحد في الأسبوع ولوقت كاف؛
- الحق في متابعة الدراسة، علما أن كل المعتقلين السياسيين إثر الانتفاضة المجيدة قد حُرموا سنة 1984 من متابعة دراستهم واجتياز امتحاناتهم؛
- تحسين أوضاعنا داخل السجن (التغذية الصحية والإقامة اللائقة والاستحمام والفسحة والترفيه...)...
وفي 4 يوليوز 1984 انطلقت معركة الشهيدين، كان ذلك يوم أربعاءٍ خانق كما أغلب أيام مراكش الحارقة.
رفعنا التحدي في ظرفية سياسية صعبة، حيت الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال أجواء الانتخابات التشريعية. فعندما كُنّا نحتظر في الدهاليز والكاشوات والمستشفيات، كانت الحملة الانتخابية في أوجها.
نعم، استشهد المناضلان الخالدان والحملة الانتخابية مشتعلة. لقد احترقا بالنار المشتركة للنظام القائم وحواريه. كانت الأحزاب السياسية المُسماة حتى حين "القوى الوطنية والديمقراطية"، ونعني الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي؛ وهناك من يضيف حزب الاستقلال. كما الآن، العاملات والعمال يحترقون في صمت والعديد من القوى السياسة في "عطلة". ومن بينها القوى المُسماة "حية"، أي القوى الظلامية. فماذا يُمكن أن يُعجز كل هذه القوى أمام وقفة أو مسيرة "مليونية" لفرض تلبية المطالب وانتزاع المزيد من المكتسبات، حالة عاملات وعمال سيكوميك بمكناس، مثلا...؟!!
كنا نقاوم الحصار والنار، وكانت عائلاتنا تطرق كل الأبواب. العالم انتبه الى معاناتنا، خاصة بأوروبا؛ إلا القوى السياسية التي أصمّت آذانها وأغمضت أعينها وأغلقت أفواهها. فما كان يهمها غير عدد الكراسي ورضا النظام..
فأي مصداقية لباقي الوقفات والمسيرات التي تدّعي التضامن مع الشعب الفلسطيني؟!!
إن من لا يتضامن مع شعبه، لا يمكن أن يكون تضامنُه مع شعوبٍ أخرى صادقا..
نقولها للتاريخ، استشهد رفيقانا و"عرس" النظام" وحواريه غارق في البذخ والتضليل، وطبعا في دمائنا. وللعلم، فإلى جانب استشهاد رفيقينا الدريدي وبلهواري، لازمت عاهات مستديمة أربعة رفاق هم الفقيد لقدور الحبيب وعبد الرحيم سايف وخالد نارداح وعبد الكريم بيقاري. وبدون شك كان للاعتقال والتعذيب والإضراب عن الطعام بالغ الأثر على رحيل رفاقنا محمد عباد وعبد الرحيم علول ومحمد صالح بوحمزة.
توزّعت المجموعة في الصباح الباكر من يوم الجمعة 20 يوليوز 1984 على سجون مراكش واسفي والصويرة وبعد التحاق مناضلين آخرين بالمعركة. وتفاقمت المعاناة داخل السجون والمستشفيات، أما اللعبة "الديمقراطية" فاستمرت، بل ازداد "توهّجها"، وكأن البلد في رغد العيش وفي الأيادي الآمنة...
لا ولن نقبل معانقة من خان ومن ارتدّ. فما بالك بمن تورّط في اغتيال رفاقنا خدمة للنظام؟!!
استشهد الرفيق بوبكر الدريدي بالصويرة في 27 غشت والرفيق مصطفى بلهواري باسفي في 28 غشت. واستمرت المعركة في شقها الأول حتى بداية شتنبر 1984، حيث الوعد بتحقيق كافة مطالبنا، وبحضور رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حينذاك. وهي الوعود التي لم تتحقق كاملة؛ لتستمر المعركة حتى 16 غشت 1991، وهو الانتصار الحاسم..
كانت السجون مُكتظّة بالمعتقلين السياسيين؛ كل السجون، ومن بينها السجن المركزي بالقنيطرة. وبالمناسبة، كل التحية للمعتقلين السياسيين الذين تضامنوا معنا ومن مختلف السجون؛ بالقنيطرة (السرفاتي وبعض الرفاق) والرباط (سجن لعلو، عبد الرحمان بنعمرو وبعض الرفاق...)؛
كل التحية للمحامين الذين آزرونا؛
كل التحية لأعوان الصحة والممرضين والأطباء الذين قدموا لنا خدماتهم في حدود الممكن وما بعد الممكن؛
كل التحية للحراس الذين لم يُنفِّذوا تعليمات رؤسائهم بحرفية وقدموا لنا خدمات تتجاوز الممكن؛
كل التحية للرفاق داخل المغرب وخارجه الذين تبنوا المعركة وبذلوا مجهودات جبارة من أجل انتصارها؛
كل التحية لجنود الخفاء، مغاربة وأجانب الذين ساندوا المعركة ودعموها، إعلاميا وماديا؛
كل التحية لعائلاتنا وعائلات كافة المعتقلين السياسيين بمختلف السجون...
لن نغفر للنظام وحواريه جرائمهم في حق رفاقنا وفي حقنا وفي حق عائلاتنا وفي حق شعبنا..
لن ننسى التواطؤ..
لن ننسى الافتراء والتحامل..
لن ننسى الحقد والضغينة..
كيف ذلك، والإجرام متواصل وكذلك التواطؤ والافتراء والتضليل والحقد والضغينة...؟!!
كمْ من خنجرٍ انغرس في ظهرنا، وكم من خيانة كسرت أضلاعنا، ومنذ 1991 (على أقل تقدير)..
لكن عهدَنا للشهيدين الخالدين بوبكر ومصطفى ولكافة الشهداء عهدُ حياةٍ أو موت؛ إنها اللاّعوْدة عن درب الشهداء. إن المناضل حقّا ينبثق من رماده. وإن الدماء التي تسري في عروقنا هي دماء الشهداء. والوفاء لها ليس غير السير على خُطا/خُطى الشهداء...
لنا ذاكرة قوية كما ذاكرة شعبنا..
سنفضحهم رفاقنا الشهداء حتى التحاقنا بكم، شهودا أو شهداء...
وستبقى الحقيقة تؤلمهم وتقضّ مضاجعهم...