رحلتي مع -الكتاب المقدس-
كمال غبريال
الحوار المتمدن
-
العدد: 7651 - 2023 / 6 / 23 - 09:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قرأت "الكتاب المقدس" بداية على أنه "كلمات الإله" بألف لام التعريف. أي الإله الوحيد الحقيقي.
وكنت أبحث عن فهم منطقي، لما يصادفني عرضاً، ويبدو لامنطقياً أو غير مستساغ. وقد كانت تلك الملحوظات على لا معقولية بعض ما بالكتاب ليست بقليلة. لكنها كانت محدودة. وكنت أبحث كمؤمن عميق الإيمان بتقوى وخشوع واجتهاد، عن تفسير وتبرير لما اعترض وقتها طريقي في قراءة الكتاب. دون أن يكون ثمة تعمد مني لنقد أو فحص علمي للنصوص. كانت تلك الملاحظات أشبه بنقر بسيطة في طريق يسير فيه مؤمن خاشعاً أمام كلمات السيد الرب المقدسة.
لكن نزوعي الفطري للحرية العقلية، وضيقي بالحصار لعقلي في حدود البحث عن تفسيرات أو مبررات، لما لا أستطيع استساغته من حكايات وأفكار الكتاب، جعلني أذهب على سبيل المناروة إلى فرض جدلي، أنه ليس "كلام الإله" وإنما "كلمات عن الإله". وأن السير بمقتضاه يصل بي بالتأكيد إلى "حقيقة الإله". أو إلى "الإله الحقيقي"، الذي لا يعرف الإنسان الطريق إليه، إلا بواسطة هذا الكتاب.
عند هذه النقطة. أو من منطلق هذه الرؤية، التي نزعت ثوب القداسة المطلقة على نصوص الكتاب، صار لعقلي مساحة من الحرية في فهم ما تقوله النصوص. دون الشغف اللحوح للتوصل لفهم يحفظ لغير المقبول وغير المنطقي معقوليته وقداسته.
فمادامت لم تعد في نظري كلمات الإله ذاته، وإنما كلمات أو تصورات بشر عنه، فلابأس أن يشوب هذه التصورات بعضاً من عدم المناسبة.
كما أنه صارت هناك مساحة للتسامح مع أخطاء الكُتَّاب والنُسَّاخ. مادامت تلك النصوص ليست وحياً من الروح القدس.
إلى هذا الحد كان لدي يقين الإيمان القلبي المطلق بمحتويات الكتاب بصورة عامة. وبقيت في الذهن "قداسة الكتاب". لكنها ليست قداسة الحروف والكلمات والنصوص، وإنما "قداسة عامة". مستمدة من اليقين الإيماني الموروث، أن هذا الكتاب هو الطريق الأمثل للوصول إلى الإله.
لكن مساحة حرية وتحرر العقل في الفحص العقلي المنطقي لنصوص الكتاب، والتي كانت في تلك المرحلة محدودة مكبلة بخيوط الإيمان الفطري الموروث، هذه الحرية وتطبيقاتها على دراساتي للكتاب، كان لها تأثيراتها وتداعياتها على رؤيتي على ما أسميته عاليه "القداسة العامة للكتاب". باعتبارها القداسة التي تفرضها اعتباري وقتها أن "هذا الكتاب يرشد للطريق الأمثل للإله".
ما حدث نتيجة ممارسة تلك الحرية (المحدودة) في فحص الكتاب، هو العثور كميات كبيرة من العبارات والأفكار غير المستساغة.
ومع تتالي العثور على مثل تلك العبارات، تتعاظم درجة الحرية والجرأة على وزن النصوص بميزان العقل.
ولو شبهنا تلك المرفوضات اللاعقلانية بثقوب في ثوب، فلقد وصلت مع الوقت لحالة أن صار الثوب مهلهلاً. فيه من الثقوب أكثر مما فيه مما يستر البدن.
عندها وصلت للمرحلة الأخيرة.
فهذا الكتاب لم يعد المُرشد الأمثل للإله.
بل وإن كان يشير ولو بصورة عامة إلى إله، فإن هذا الإله ليس في صفاته ما يبعث على التقدير أو الاحترام.
صرت أراه رؤى بدائية لآلهة بدائية وحشية، من تصورات أجيال ماضية، عاشت في أزمنة دون واقعنا الحالي حضارة وعلماً ووعياً.
هكذا إذا طالعنا "الكتاب المقدس"، فلكي نَطَّلع على بعض من تطور تفكير الأقدمين في منطقة الشرق الأوسط في "مسألة وجود إله".