الجماعية والفردانية
كمال غبريال
الحوار المتمدن
-
العدد: 7577 - 2023 / 4 / 10 - 22:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بعض الحيوانات تنزع للسير في جماعات. كالأغنام والأبقار والفيلة. وينزع بعضها للسير فرادى. كالأسود والنمور والفهود. هي الطبيعة البيولوچية التي تختلف باختلاف فصائل الحيوانات.
ولدى الإنسان كلا النزوعين معاً. الجماعية والفردانية.
فنحن نعرف مقولة الفيلسوف چان پول سارتر "الجحيم هو الآخر"، وهذا صحيح. لكن صحيح أيضاً أن "النعيم هو الآخر". واجتماع هذين النقيضين في شخصية الإنسان، هو الذي جعل المجتمعات الإنسانية تختلف هذا الاختلاف الهائل عن التجمعات الحيوانية.
فشخصية الإنسان تنمو وتتطور منفردة نعم. لكن تطورها الأكبر والأوسع من تفاعلها مع الآخر. ومع المجتمع ككل، بظروفه ومشاكله باختلاف أنواعها.
الفردانية لدى الإنسان أنتجت التخصص المهني. الذي أوجد التبادل والاعتماد المتبادل داخل التجمعات الإنسانية. ما شكل الرابطة التي تحفظ للجماعة ترابطها. والذي يعادل رغبة الإنسان في الانفراد. وهذا ما يصنع الفارق بين مفهومي "تجمع" و"مجتمع". حيث "التجمعات" مجرد تجاور أفراد لا يعتمد أحدها على الآخر في وجوده وحياته.
لكن الفرق بين مجتمع إنساني وآخر، يصنعه الفارق بين أفراده في المعادلة البيولوچية للأفراد، والناتجة عن اختلافات چينية وهرمونية. والتي تحدد نسبة نزوعه للتجمع، إلى نسبة نزوعه للفردانية.
فالنزوع للتجمع يذهب للخنوع للقيادة المجتمعية والالتزام الصارم بعادات وتقاليد، غالباً ما يتم إضفاء القداسة عليها. فيما النزوع للفردانية يوجد التميز والتمرد باختلاف صوره. حيث نجد لدى الأفراد الرغبة والقدرة على الابتكار والتجديد.
وإذا نظرنا لتأثير العقائد الدينية. سنجد في العقائد الإبراهيمية، المسيحية الأرثوذكسية والسلفية الإسلامية تضخم النزعة الجماعية، وتكاد تسحق الفردانية. فيما نجد البروتستانتية تذهب للإعلاء من شأن الفردانية. وبين النقيضين نجد الكاثوليكية والإسلام غير السلفي.
أمر المجتمعات إذن إن كان جموداً وتخلفاً حضارياً، أم تطوراً دائماً. رهن بالدرجة الأولى (بالإضافة لعوامل أخرى عديدة) بما يمكن تسميته "روح الشعب". والتي تشكل ملامحها تلك المعادلة البيولوجية، المشكلة بواسطة اختلاف نسب مزيج نزوع عموم أفرادها لكل من الجماعية والفردانية.
نستطيع أن نرصد شعوباً تكاد تختفي فيها الروح الفردية. وتكاد تكون أشبه بقطيع من الأنعام.
لكن في العالم المتقدم لا تختفي الروح الجماعية مقابل الفردانية. وإلا لتبددت هذه المجتمعات. لكن ما يحدث هو توازن صحي بين كلا النزعتين، الجماعية والفردية.