مثلما زمن الهرطقات المسيحية وحروبها
كمال غبريال
الحوار المتمدن
-
العدد: 7954 - 2024 / 4 / 21 - 15:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كان آباء المسيحية في القرون الأولى، من الجيل الثاني الذي ورث المسيحية من الجيل الأول الذي عاصر حياة يسوع، يحاول كل منهم توطيد مركزه وسلطانه.
ليس بالعمل على انتشار المسيحية، وإنما بالدرجة الأولى بمناحرة جيرانه من البطاركة والأساقفة. وكذا محاربة المتمردين على سلطانه من داخل مقاطعته.
وقد استخدم جميع المتحاربين المتنازعين على النفوذ والثروة حيلة أو سلاح أو مظلة الآراء اللاهوتية.
وإذا كان طغاة اليوم يستخدمون تهمة الخيانة لقمع ومحاربة المعارضة. فإن تهمة الهرطقة كانت مبرر وسلاح حروب الآباء القديسين فيما بينهم.
وكما نشهد الآن المزايدات القومية أو الوطنية بين المتاجرين بمصائر الأوطان، كانت المزايدات اللاهوتية بين الطامعين والمتنافسين على السلطة والنفوذ في ذلك الزمن.
لتكون الضحية هكذا هي الجماهير التي كانت في الأمس، وتكون في معارك اليوم. تكون هي الوقود الذي تلتهمه نيران تلك الحروب المقدسة العبثية.
فشعار "الموت أو الاستشهاد في سبيل الله"، يناظره هتاف "نموت نموت وحيا الوطن".
نموت نحن المخدوعين الغلابة ليرضى الإله في عرشه السماوي. ويهنأ السلطان الأرضي الطاغية في قصره!!
من يراجع تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في القرون الأولى، سيذهل من الجرائم التي ارتكبها البابا كيرلس الأول عمود الدين. وتحويله الإسكندرية إلى ساحة حرب تخضب الدماء شوارعها!!
لكن ليس هذا فقط.
اللاهوت أو العقيدة المسيحية التي استخدمها المتنازعون لضرب بعضهم بعضاً، كانت ضحية أيضاً. وتشكلت المسيحية على ضوء موازين القوى السياسية والشعبية للآباء الأوائل في تلك الفترة. فآراء الضعيف من الآباء تذهب معه للجحيم موسومة بالهرطقة. وآراء القوي تكون هي الإيمان المسيحي المستقيم، الذي توصلنا له بإرشاد ووحي الروح القدس!!
الأمر مثيل للمزايدات التي نشهدها الآن من الأطراف المتاجرة مثلاً بالقضية الفلسطينية.
فمن يغالي ويبالغ في المطالب، يحظى بقبول أكثر لدى عموم الدهماء، ويعلو كعبه على منافسيه. ويكون هو البطل الشهم الذي يحافظ على الأرض والعرض والمقداسات. ويكون المتعقل المنطقي الواقعي هو الخائن العميل المفرط في الثوابت.
هكذا شهد اللاهوت المسيحي تسونامي من المبالغات. فكان التأليه والأقانيم في ذات إلهية يفترض في تعريفها النظري الواحدية والبساطة والسمو عن التركيب. ويكون آريوس (عاش 256 م.- 336م.) مهرطقاً عدواً للمسيح، يطارده القديسون ويغتالونه بالسم.
كما شهدنا تفاقم الدفع للتأليه إلى منح أم يسوع لقباً يبدو غاية في الشذوذ، وهو لقب "والدة الإله"!!
فهكذا لابد من أن تكون هي الأخرى إلهة. فلا يلد إلهاً إلا إلهة.
ويتم وصم نسطور (عاش 386 م. - 451 م.) بالهرطقة. ليتجرع ذات كأس السم الذي كان قد كَرَّس نفسه وجهد ليذيقه لمخالفيه!!
هكذا يعلو مقام وكعب المزايد المبالغ في أعين حشود الدهماء،
على المتعقل الذي يزن الأمور بهدف التوصل للحقائق، وليس بهدف المزايدة والمتاجرة.
نقول ونستعرض هذا ليس فقط لمحاولة إطفاء نيران التناحر على العقائد الدينية.
ولكن أيضاً سعياً لرؤى عقلانية في التناحرات السياسية التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط.
ويشعل نيرانها المتاجرون المزايدون باسم الوطنية والقومية والحقوق المسلوبة.