سوريا وطريق الضباب


كمال غبريال
الحوار المتمدن - العدد: 8188 - 2024 / 12 / 11 - 15:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الطغاة كما يمنعون العناصر الجيدة بشعوبهم من النهوض بالبلاد، التي يجثمون على صدورها دونما أدنى نية للنزول أو المغادرة، فإنهم يمنعون أيضاً العناصر الرديئة من الذهاب بالأوطان للخراب العاجل الشامل.
فهم يهبطون بالبلاد أو تهبط البلاد بهم تدريجياً. كسفينة تتجه ببطء نحو صخور لتتحطم عليها.
هكذا كان صدام حسين وكان معمر القذافي، كما كان الأسد الكبير والصغير. ومن قبلهم كان عبد الناصر، أيقونة الطغيان العسكري العربي الاشتراكي.
ورغم النتائج الكارثية التي عشناها مع العراق وليبيا، إلا أنني لا أستطيع إلا الفرح بسقوط الطغاة. وليكن بعد ذلك مايكون. فمهما كان ماسيحدث بعد ذلك،
كان لابد لنظام الأسد الرهيب، أن يذهب مع صاحبه للجحيم أو إلى موسكو لاجئاً!!
ها قد سقط آخر العفالقة. لا تنسوا ذكره بلعناتكم.
"ميشيل عفلق"
مؤسس "حزب البعث العربي الاشتراكي" الرهيب!!
ذهاب البلاد للخراب بعد سقوط طغاة العرب. لا يجعلنا نعطي أولوية صلاحية للطغاة. فالمشكلة في سوء وبشاعة وهمجية الشعوب. وهو ماعلينا العمل عليه. وليس الاكتفاء بالاستسلام للمغامرين والطغاة، باختلاف أنواع الغطاء على رؤوسهم، إن كان الكاب العسكري أم العمامة المقدسة.
ليس في سوريا وحدها، بل في سائر الصحارى والمستنقعات العربية، الدواعش والمغامرون والأنذال، جاهزون دوماً ومتأهبون للقفز فوق العروش إذا ماسقط الطغاة!!
حقيقة. . الحرية لدى جنود الآلهة والمدافعون عنها المجاهدون في سبيلها هؤلاء، هي أن ينهشوا لحم المختلف. ثم يستديرون لينهشوا لحوم بعضهم بعضاً.
في مثل مواسم الانقلابات الكبرى هذه، يذهب كل فريق لشماعة نظرية المؤامرة، المستوطنة في مستنقعات الفشل العربي. لنتخلص عليها من مسؤوليتنا تجاه أنفسنا!!
مستحيل أن تنظف هذه الشعوب،
طالما ظلت وظل نخبها، ينسبون فشلهم وخيباتهم وكوارثهم لمؤامرات الشعوب الحرة المتحضرة. فالمتحضرون لا يتآمرون على الفشلة والحثالات!!
حتى لو كانت هناك مؤامرات، أو فلنقل تأثيرات خارجية في عالم متشابك العلاقات. فهي لا تخترع في الشعوب ماليس فيها. هي توظف العناصر الموجودة بالأرض بالفعل. لتوظفها لصالحها. أو لتتجنب أكبر قدر ممكن من ضررها.
هناك شعوب كالعاهرة المنطرحة على رصيف في مفترق طرق!!
هذه المنطقة اللعينة تغص بالرؤى المتخالفة المتعارضة المتعادية. لكن الجميع يتفقون على أمر واحد:
العداء والكراهية السوداء. وشيطنة مراكز الحضارة الإنسانية.
- هل ماشهدت سوريا ثورة شعبية أم انقلاب عسكري ميليشياوي؟
هل يأتي مسلحو الميليشيات بأفضل مما عهدنا من العسكر النظاميين؟
هل ستختلف النتيجة إذا ما انهمر الثوار بالعمامة فوق الكاب، أو الكاب فوق العمامة؟
أم أنه ذات الفخار المجبول من ذات الحمأة؟!!
يهتفون بحماسة الآن في المسجد الأموي بدمشق:
"لبيك. لبيك. لبيك يا الله"
تُرى كيف ستكون هذه التلبية التي يعدون بها الإله؟
إلى أين سيتجهون بهذه الحماسة، وماذا سيفعلون؟!!
لا بأس من افتراض الإخلاص للوطن والمواطنين في هؤلاء الشباب الملتحي تديناً. وافتراض سعيهم لتحقيق الصالح. لكن ماهو هو الصالح الذي سيطرأ على ذهن هؤلاء؟!!
هل سيرون الصالح فيما نعرفه نحن من حرية وكرامة إنسانية ورفاهية عيش؟
أم سيرون الصالح في إدخال الناس الجنة رضاء أو غصباً، وفي إجبار الذين كفروا على الإيمان، أو التخيير بين الجزية وحد السيف؟!!
لقد بدأت سوريا رحلتها بالفعل.
لكن إلى أين، والطريق يخيم عليه الضباب؟!!