عندما قلبت معايا بجد


كمال غبريال
الحوار المتمدن - العدد: 7980 - 2024 / 5 / 17 - 14:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

في البداية كان الأمر حيلة أقنع بها نفسي،
أنني رجل ذو عقل حر.
ولست متبعاً أعمى لأقدمين، أو عبداً للنصوص القديمة.
وأن العقل والمنطق والمنهج العلمي هو ما يحدد ما أقبل وما أرفض.
وذلك أن قلت لنفسي:
"أُقَدِّس الكتاب المقدس ليس لأنه كلمات إله.
ولكن لأن محتواه جدير بالتقديس.
ويرشدني للتواصل مع الإله القدوس."
*****
تصورت الأمر مجرد حيلة أو لعبة منطقية،
ولن يؤدي لعبها سوى لذات النتيجة، وهي أن:
"الكتاب المقدس مقدس وجدير بالتقديس"
*****
لم أفطن في البداية لخطورة تجريد الكتاب المقدس من القداسة المسبقة.
أو القداسة بإسناده لإله.
ما أدى لنزع الهيبة من قلبي وعقلي وأنا أطالعه.
وحلت محلها العين الناقدة المدققة.
*****
أخطأت إذ تصورت أن الكتاب المقدس بذاته وبمحتوياته جدير بالقداسة.
وسيصمد أمام النقد الموضوعي العقلاني.
*****
كانت النتيجة بعد شهور وسنوات من تناول الكتاب من منطلقي العقلاني، هو اكتشاف حقيقة محتويات الكتاب الذي ظننته جدير بالصمود أمام الفحص والنقد العقلي.
*****
حين رأيت شموخ جبل الكتاب المقدس يتزلزل ويتصدع أمامي،
سارعت في البداية للبحث عن ردود على تساؤلاتي حول ما اكتشفت بالكتاب مما يمكن توصيفه كمهازل.
وقد كنت مازلت محصوراً بسيكولوچية المؤمن وهيبة الكتاب وما يحوي من رويات وشخصيات.
*****
لكن ماحدث هو أن الردود التي طالعتها وصادرة من أرفع المستويات الرسمية الكنسية الأكاديمية اللاهوتية،
أكدت نظرتي بإجاباتها.
بل وضاعفت كميات ما كنت توصلت إليه من سقطات لامنطقية وأخلاقية،
بالكتاب الذي كان مقدساً ولم يعد كذلك.
*****
فكان أن رفعت النسخة الضخمة من الكتاب المقدس من فوق ترابيزة الصالون بمنزلي.
ووضعتها في الرف الأعلى بالمكتبة.
لتجاور الأجزاء الثلاثة من كتاب رأس المال لعزيزي ماركس.
وبجانبهم نسخة قديمة مهترئة من كتب ألف ليلة وليلة.
*****
هكذا قلبت معايا بجد.
أو فلنقل:
انقلب السحر على الساحر!!