تباين -حجم الوعي- الإنساني
كمال غبريال
الحوار المتمدن
-
العدد: 8146 - 2024 / 10 / 30 - 15:53
المحور:
قضايا ثقافية
نحاول هنا مقاربة ظاهرة اختلاف قدرات البشر التي تبدو طبيعية، على تكوين رؤى عامة للأحداث والحياة والوجود. رغم مايبدو من وحدة البيئة بسائر عناصرها بالنسبة لجميع من نرصد الاختلافات في درجات الوعي بينهم.
لانتحدث هنا عن اختلاف ما يتوصل إليه الناس من قناعات ورؤى مع توفر نفس الظروف والأحداث. فهذا أمر آخر يرجع لاختلاف المصالح والتفضيلات واختلاف الأوزان للعناصر التي يأخذها الفرد في حسابه عند تحديد مواقفه ورؤاه.
فالحديث هنا عن "حجم الوعي" بمعنى القدرة على استيعاب وتمثل المعلومات المتوفرة. لتكوين رؤى عامة.
والذي يدفع الإنسان أيضاً للسعي لتحصيل معلومات عن الحياة والوجود، على مدى أوسع من محيط دائرة حياته الشخصية. ذلك التوسع في المدى الذي يدفع الإنسان لتجاوز حدود الكرة الأرضية بمن وما عليها، لاستطلاع الأجرام الكونية بمجراتها. بل وبحث إمكانيات وجود أكوان موازية في أبعاد أخرى غير الأبعاد الأربعة لكوننا.
يبدو أمر قدرات الوعي للإنسان الفرد، أشبه بكرة مطاط قابلة للانتفاخ، بقدر ما يتم تزويدها به من معلومات.
ولكل كرة من كرات الوعي هذه حد أقصى لا تتعداه مهما زودتها أو شحنتها بالمعلومات. ويختلف هذا الحجم بحده الأقصى من شخص لآخر. وفق إمكانيات جزء منها على الأقل بيولوچي چيني.
وليس المقصود بحجم الوعي مجرد تعداد كمّي لمعارف ومعلومات وبيانات مختزنة في العقل أو الذاكرة.
فالمقصود هو حجم القدرة على استيعاب المعارف والمعلومات المتوفرة لتكوين رؤى عامة للأحداث والحياة عموماً والوجود بصورة شاملة.
من المهم هنا الانتباه لحقيقة أننا لا نستطيع زيادة "حجم وعي" شخص لما بعد الحد الأقصى لقدرات وعيه، عبر تزويده بالمزيد من المعارف والمعلومات. فهو قد يختزن هذه المعارف الإضافية في ذاكرته. لكنه لن يستوعبها ويتمثلها، لتؤثر في رؤاه القائمة، أو ليكون بها رؤية عامة يعيش في ظلها.
هكذا ونتيجة لاختلاف "حجم الوعي" بين الأشخاص، نجدنا نعيش وسط أناس تتوفر لهم نفس ما يتوفر لنا من معارف وظروف بيئية. كما أنهم حصلوا على نفس القدر من التأهيل العلمي. ولا يوجد ما يشير لانخفاض لديهم في مقاييس الذكاء الطبيعي. ومع ذلك نلاحظ بقدر لا يمكن تجاهله من اليقين، أنهم عاجزون عن تمثل واستيعاب إلا قدر محدود جداً من بين ما يُفترض فيهم استيعابه من حقائق الحياة باختلاف مناحيها.
إن صح ماذهبنا إليه في هذه المقاربة، يكون "حجم الوعي" ومحدوديته الطبيعية لكل فرد معضلة تحتاج لبحث علمي دقيق. يعتمد على تجارب عينية ميدانية. وليس فقط بحوثاً نظرية.