هلوسات لاهوتية
كمال غبريال
الحوار المتمدن
-
العدد: 7966 - 2024 / 5 / 3 - 10:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بولس ولاهوت الخطية الجدية
"12مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ. . . . . 18 فإذا كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة، هكذا ببر واحد صارت الهبة إلى جميع الناس، لتبرير الحياة." (رو 5: 12-18)
*****
هذه الفقرة لبولس الرسول في رسالته إلى أهل روما، تم اتخاذها كعمود رئيسي للاهوت المسيحي،
وبنيت عليها فكرة الخلاص المسيحي.
هنا نجد أكثر من إشكالية. لعل أولها أن ما يشير إليه كاتب هذه الفقرة وما نطلق عليه الخطية الأولى، أو الخطية الجدية. يستند لقصة أسطورية لإنسان أول خالف الوصية الإلهية وأكل ثمرة شجرة خلقها الإله وحرم أكلها.
القصة الآن بمجملها لا يمكن النظر إليها إلا كخيال إنساني بدائي، لا يصلح أن نؤسس عليه أي بناء لاهوتي. ولا يغير من قطعية هذا محاولات القراءة الرمزية للقصة تحايلاً على لامعقوليتها. لأنها تصل بنا إلى نفس نتيجة أن هذه القصة لم تحدث فعلياً، وبالتالي كل ما يُبنى عليها من فكر لاهوتي هو محض سراب.
الإشكالية الثانية في الفقرة محل النظر، هي مسألة دخول خطية تحمل على أكتاف كل البشر، لمجرد ارتكاب الإنسان الأول المفترض لهذه الخطية. هذه الفكرة غير مقبولة تماماً. سواء من حيث المنطق العقلاني أو وفق أبسط معايير العدالة. ولا تستحق منا جهداً تحليلياً أكثر من هذا.
الإشكالية الثالثة التي نجدها في فقرتنا هي ما جاء فيها أن موت الإنسان جاء كعقاب على هذه الخطية الأولى المفترضة.
فالموت حقيقة بيولوچية تسري على جميع الكائنات الحية، وليس فقط الإنسان الذي أخطأ جده الأول المفترض في قصة خلق سفر التكوين.
ومن الواضح أن التأويلات التي تذهب لأن المقصود بالموت هو افتراق الإنسان عن الإله نتيجة الخطية، ليست أكثر من هروب من معنى النص، إلى فضاء التهويمات.
هناك أيضاً من يهربون من لامعقولية وراثة عقاب خطيئة آدم، إلى القول بوراثة الطبيعة الفاسدة القابلة للخطأ. وهذا يبدو كلاماً طفولياً إلى أبعد حد.
فأولاً آدم وحواء المفترضون بالرواية أخطأوا بمعصية الإله وهم بالطبيعة الأولى. أي أن الطبيعة الأولى قابلة للخطأ.
ثانياً من السذاجة القول بأن خطأ المعصية ترتب عليه تغيير تركيب جسد الإنسان ليصبح خَطَّاء.
ورغم أن هذا مضحك،
إلا أننا نساير هؤلاء بأن نقول لهم أن يهوه لم يهدد آدم بتغيير طبيعته إن أكل من الشجرة. وإنما هدده بالموت الذي لم يتحقق.
ثالثاً تجاهل من يقولون بوراثة الطبيعة الفاسدة أن تجديد طبيعة الإنسان لا يحتاج لفداء أو صليب. فالفداء لتسديد عقوبة ، وليس لتجديد طبيعة بشرية.
فلاشك أن الإله الذي خلقنا يستطيع تجديد طبيعتنا وهو جالس على عرشه السماوي.
وليس مضطراً لأن يتجسد ويتألم ويُصلب ويموت.
*****
من هنا كان ما نراه، من أن بناء صرح لاهوتي على قصة سفر التكوين التي لم يأت لها ذكر بعد ذلك في أسفار العهد القديم، حتى تذكرها بولس في عبارته الواردة أعلاه، كان خطأ كبيراً، كخطأ من يبني قصراً شامخاً فوق رمال ناعمة.