على الرغم من تصدّر اليمين / حزب العمل البلجيكي يواصل نجاحاته


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8007 - 2024 / 6 / 13 - 00:04
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

في التاسع من حزيران الجاري صوّت الناخبون البلجيكيون وانتخبوا ممثليهم في البرلمانين الوطني والأوربي وبرلمانات المناطق. وتمكن حزب العمل الماركسي من مواصلة نجاحاته التي دشنها في العقدين الأخيرين. فقد حصل في انتخابات البرلمان البلجيكي على 15 مقعدا، بزيادة 3 مقاعد على الانتخابات السابقة. وفي برلمان منطقة الفلمنك، حصل على 9 مقاعد، مقابل 4 مقاعد سابقا. اما في انتخابات البرلمان الأوروبي فأصبح حزب العمل أقوى حزب يساري في بلجيكا، بحصوله على 10,7 في المائة من مجموع الاصوات.

مفاجأة
وحقق الحزب في العاصمة الفلمنكية أنتويرب مفاجأة بحصوله على قرابة 22 في المائة، حتى أصبح ثاني أقوى حزب، متقدمًا بفارق كبير عن القوميين الفلمنكيين اليمينيين المتطرفين، الذين منحتهم التوقعات قوة أكبر. وصرح رئيس كتلة حزب العمل البرلمانية في فلاندرز، خوسيه ديسي، لصحيفة محلية يومية: “انها نتيجة مذهلة».
في حملته الانتخابية توجه الحزب إلى جمهور واسع. وقال خوسيه دييسي موضحا: «ليس إلى الشباب فقط، بل أيضًا للعديد من العاملين في الموانئ وصناعة البتروكيماويات. كانوا مترددين في الاختيار بيننا وبين القوميين الفلمنكيين، لكننا ما زلنا قادرين على إقناع الكثير من الناس». وسيكون الهدف المقبل لحزب العمل في الانتخابات المحلية في تشرين الأول المقبل، وفق القيادي في الحزب وزعيمه السابق بيتر ميرتنز: « تشكيل ائتلاف يساري في برلمان مدينة أنتويرب من شأنه أن يلغي سياسة العقارات السيئة» المنتهجة حاليا..

نجاحات مستمرة
وجاءت نجاحات حزب العمل البلجيكي استمرارا لتطور ملفت للانتباه في سنوات يتراجع فيها اليسار في أغلب البلدان الأوربية. وكانت استطلاعات الراي التي سبقت هذه الانتخابات قد بيّنت ان الحزب يتغلغل ويتجذر في جميع مناطق البلاد، وأن نتائجه ستتضاعف في فلاندرز، وانها في والونيا وبروكسل تتجاوز 15 بالمائة، مقارنة بانتخابات 2019.
وقال رئيس حزب العمل راؤول هيديبو في المؤتمر الانتخابي لحزبه في أوائل آذار الفائت: «نرى أن المزيد والمزيد من الناس يريدون التغيير من اليسار»، و»إن أغلبية كبيرة من السكان تريد فرض ضريبة على المليارديرية، ونحن الحزب الوحيد الذي يطرح هذا المطلب. وبالنظر إلى الوضع الليبرالي الراهن، ولكن أيضا في ضوء كتلة الكراهية القومية في شمال البلاد، فإننا نمثل البديل الاجتماعي الذي ينمو بشكل عام ويعطي الأمل».
البرنامج الانتخابي
تضمن برنامج الحزب الانتخابي 1309 مقترحات، موزعة على 56 فصلا، غطت 4 ملفات رئيسية: العدالة الضريبية، والقوة الشرائية، وسياسة المناخ الاجتماعي ومكافحة امتيازات السياسيين.
وفي تحديد أولوياته اعتمد الحزب بشكل خاص على استطلاع كبير قام باجرائه. ويقول رئيس الحزب: «لقد أجرينا منذ أيلول الماضي 104.098 استطلاعاً، بمعنى 104.098حوارا أجريناها في الأشهر القليلة الماضية. وكنا آذانا صاغية للمواطنين في الموقع أو في الشركات أو عبر الإنترنت. وليس هناك حزب آخر يفعل ذلك. هذه ثروة هائلة. فالكثير من الناس يشاركون لأنهم يريدون بديلاً، وهذا إنجاز ديمقراطي حقيقي حققناه بواسطة هذا الاستطلاع الكبير، ونحن فخورون به للغاية».

تجربة تستحق الاهتمام
وفي وقت تعيش فيه قوى اليسار الجذري في أوربا حالة تراجع ومصاعب جمة، ويصعب على أكثرها الوصول إلى إجابات ناجعة على الأسئلة المطروحة، يواصل حزب العمل البلجيكي نجاحاته الجماهيرية والانتخابية. وتقف وراء هذا النجاح جهود متميزة ووضوح فكري، وعملية تجديد متواصلة في بنى الحزب وآلياته وأدواته، مكنته من التحول من حزب ماركسي صغير لم تتجاوز عضويته 800 في عام 2003، إلى حزب يضم أكثر من 25 ألف رفيقة ورفيق.
وتعود جذور حزب العمل البلجيكي إلى الحركة الطلابية في عام 1968. ويؤكد قادته أنه ظل طيلة العقود الأولى من تاريخه حزب كادر ماوي صغير، يركز على العمل داخل المصانع. وفي عام 2008 قرر الحزب الانفتاح وتجديد نفسه سياسيا وفكريا وتنظيميا. وبنى الحزب توجهاته على طرح بديله بوضوح وعدم تبديد الجهد والوقت في سياسات تجريبية، بل اعتماد مقولة « مع الناس ومن أجلهم»، وجمع بين التحليل الملموس والممارسة، ومثل الخيار الوطني الجامع في بلد متعدد القوميات والثقافات، وها هو يسير منذ 16 عاما على سكة نجاح متصاعد.

صعوبة تشكيل الحكومة
على الصعيد الوطني، حصلت أكبر كتلة برلمانية، كما هو الحال في فلاندرز، هي كتلة «التحالف الفلمنكي الجديد» على 24 مقعدًا، بخسارة مقعد واحد، تليها مباشرة كتلة الفلمنكيين القوميين، التي حصلت على مقعدين إضافيين. تمامًا مثل حركة الإصلاح الليبرالية اليمينية البالونية، بزيادة ستة مقاعد، وأصبح لدى اليمين المتطرف الآن 20 مقعدًا. وحقق الاجتماعيون المسيحيون أكبر زيادة بحصولهم على 14 مقعدا، مقابل 5 سابقا.
ومرة أخرى سيواجه تشكيل الحكومة مفاوضات صعبة، بسبب عدم توفر أكثرية للأطراف الفائزة. لقد استقال رئيس الوزراء ألكسندر دي كرو، لكنه سيبقى في منصبه حتى يتم انتخاب خليفته، بعد ان تراجعت مقاعد حزبه الليبرالي الفلمنكي المفتوح من 12 إلى 7 مقاعد.