في سبيل الخروج من الأزمة / المؤتمر التاسع لحزب اليسار الألماني.. سعي جاد لاستعادة الأمل والثقة
رشيد غويلب
الحوار المتمدن
-
العدد: 8138 - 2024 / 10 / 22 - 00:19
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
في أيام 18 – 20 تشرين الأول الحالي انعقدت في مدينة هاله على نهر "ساله"، تحت شعار: "مستعدون لغد عادل!" المرحلة الأولى من المؤتمر التاسع لحزب اليسار الالماني.
وتكمن أهمية انعقاد المؤتمر في كونه يشكل محطة للخروج من الأزمة التي يعيشها الحزب، بعد الانشقاق الكبير الذي مر به، وسلسلة التراجعات المتوالية في انتخابات البرلمان الأوربي وانتخابات ثلاث ولايات شرقية كانت تشكل قبل سنوات قلاع الحزب الرئيسية. ويمكن القول إن مجريات وفعاليات المؤتمر قد نجحت، ولكن اختبارها الحقيقي سيكون في مدى قدرة الحزب على تحويل هذه النتائج إلى واقع ملموس. والتحدي الكبير يتمثل بنجاح الحزب في امتلاك كتلة برلمانية في البرلمان الاتحادي بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة التي ستجري في نهاية أيلول 2025.
بالإضافة إلى أكثر من 500 مندوب، حضر المؤتمر العديد من أعضاء الحزب بصفة مراقبين. ونظراً لانشغال الحزب بإعادة بنائه، اقتصر حضور الضيوف على عدد محدود من الشخصيات الأوربية، وممثلي بعض النقابات والمجتمع المدني بينهم شخصيات من ضحايا عنف النازيين الجدد. وكما أعلن سابقا خلا المؤتمر من مشاركة ضيوف يمثلون أحزاب اليسار العالمي. وكان أبرز الشخصيات اليسارية التي شاركت في المؤتمر فالتر باير رئيس حزب اليسار الأوربي والسكرتير العام الأسبق للحزب الشيوعي النمساوي.
أهم المتحدثين في المؤتمر
ضمت الكلمات الرئيسية، كلمات زعيمي الحزب المنتهية ولايتهما جانين فيزلر ومارتن شيردفان، ورئيس مجموعة الحزب في البرلمان الاتحادي، وكلمتي زعيمي الحزب الجديدين للتعريف بهما قبل انتخابها، واستمع المندوبون لكلمة فالتر باير رئيس حزب اليسار الأوربي، وكلمة في ختام المؤتمر. وأكد المؤتمر استمرار عمل الحزب ضمن حزب اليسار الأوربي، بعد سحب مشروع قرار من قيادة الحزب، بحذف هذه الإشارة من النظام الداخلي، على خلفية وجود حزبين لليسار الأوربي حاليا. واستمع المندوبون إلى كلمة الرئيسة المشاركة السابقة لاتحاد شبيبة الخضر سارة لي هاينريش، التي أعلنت تعاونها مع حزب اليسار، وأكدت في كلمتها على ضرورة تبني سياسة طبقية تضامنية. وهي أحد المؤسسين للمنظمة الشبابية الجديدة "حان الوقت لشيء جديد".
المناقشة العامة
أهم ما تضمنه اليوم الأول بعد إقرار شرعية المؤتمر وانتخاب لجانه مباشرة من قبل المندوبين، مناقشة الوثيقة الأساسية المطروحة من قبل قيادة الحزب، بالإضافة إلى التعديلات والإضافات التي طرحت في المناقشات التي سبقت انعقاد المؤتمر.
جرى التركيز بشكل خاص على الوضع الخطير الذي يعيشه المجتمع الألماني في ضوء انتشار العنصرية ومعاداة السامية وإرهاب اليمين المتطرف وانعدام التضامن. وشدد المندوبون مرارا وتكرارا على الحاجة إلى ثقافة تضامنية وبناءة في النقاش وأساليب العمل داخل الحزب. وشددت المساهمات على اختلاف تنوعها على أن استمرار الحزب مطلوب، باعتباره "القوة الوحيدة التي تعارض الانزلاق إلى اليمين وتبقى متضامنة مع الشعب".
انتخاب قيادة جديدة للحزب
شهد اليوم الثاني انتخاب لجنة تنفيذية للحزب، بما فيها رئيسا الحزب المشاركان: إينيس شويردتنر (79,8 في المائة) ويان فان أكين (88 في المائة)، وأربعة نواب لرئاسة الحزب، وكذلك مدير تنفيذي للحزب ومسؤول للمالية، و16 عضوا آخرين. ومن المعروف أن تركيبة القيادة تقوم على مبدأ المناصفة بين الرفيقات والرفاق. يذكر أن زعيمي الحزب المشاركين السابقين جانين فيزلر ومارتن شيردفان قد أعلنا بوقت سابق عدم الترشح مجددا لفسح المجال أمام الحزب ليختار قيادة جديدة قادرة على تنفيذ المهام الصعبة التي تنتظر الحزب. فمن هما زعيما الحزب الجديدان؟
إينس شويردتنر
ولدت إينس شويردتنر في ولاية ساكسونيا في شرق المانيا، عام 1989 ونشأت في مدينة هامبورغ غرب البلاد. درست العلوم السياسية واللغة الإنجليزية في برلين والنظرية السياسية في جامعة فرانكفورت. عملت مؤقتًا في مجلة العلوم الماركسية "ارغمنت"، وفي سنوات 2020 - 2023 كانت رئيسة تحرير الطبعة الألمانية لمجلة "جاكوبين" اليسارية التي شاركت في تأسيسها. وقبل ذلك عملت في إعلام مؤسسة روزا لوكسمبورغ.
انضمت إلى حزب اليسار في آب 2023، وبعد ثلاثة أشهر، كانت أحد مرشحي الحزب لانتخابات البرلمان الأوربي، ولا ترى في عمرها الحزبي القصير معيقا، فقد كانت لصيقة بالحزب وتابعته كصحفية بتحليلات تناولت تطوره وتراجعه وآفاقه. وكررت في العديد من الحوارات الإعلامية، انها تعرف الحزب "ربما أفضل من بعض من سبقوني إلى عضوية الحزب، لكنهم لا يعرفونه بعمق".
يان فان آكن
ولد فان آكين عام 1961 في ولاية شليسفيغ هولشتاين، وبدأ نشاطه السياسي في حركة السلام وحركة الدفاع عن البيئة في المانيا الغربية، درس علم الأحياء في جامعة هامبورغ، ونشط في حركة السلام الأخضر لسنوات عديدة. وفي سنوات 2004 - 2006، عمل كمفتش للأسلحة البيولوجية لدى الأمم المتحدة.
عضو في حزب اليسار منذ عام 2007، وعضو في كتلة الحزب البرلمانية لدورتين متتاليتين، وعضو في اللجنة التنفيذية للحزب في سنوات 2012 – 2013 و2016 - 2022. كما عمل أخيرا في مؤسسة روزا لوكسمبورغ.
الصراع في الشرق الأوسط
منذ هجوم حماس في 7 تشرين الأول وبدء حرب الإبادة الجماعية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني، شكل ملف الصراع في الشرق الأوسط موضوعا خلافيا داخل الحزب وأغلب قوى اليسار العالمي. أصدر المؤتمر قرارا بشأن الصراع في الشرق الأوسط تضمن جمع المقترحات الرئيسية من طرفي الخلاف في الحزب مسبقًا لتشكيل قرار توافقي. ولقد لعب زعيما الحزب الجديدان دورا في الوصول إلى صيغة اعتبرتها الأكثرية مقبولة، وحظيت الصيغة بدعم المنبر الشيوعي أحد مكونات حزب اليسار الألماني. ولكن: بالنسبة للكثيرين، فإن الموقف ليس واضحا بما فيه الكفاية. ومن الصعب أن يقنع هذا العديد من الحركات المؤيدة للشعب الفلسطيني التي ابتعدت أكثر فأكثر عن حزب اليسار، منذ اندلاع الأزمة.
أشار القرار ضمن أمور أخرى، إلى أن: " هناك حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار في إسرائيل وفلسطين. ولا بد من كسر منطق العنف والتصعيد واستئناف البحث عن الحلول السياسية. وندعو كافة الأطراف المعنية إلى عدم بدء أي أعمال عدائية جديدة واحتواء الصراع بدلاً من توسيعه". ورحب القرار بشيء من التفصيل بقرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن "حرب الإبادة الجماعية" و" لا يمكن تحقيق السلام الدائم إلا من خلال الاعتراف المتبادل والعدالة".
وأكد القرار على أن حزب اليسار " يؤيد حل الدولتين السلمي ضمن حدود عام 1967، على أن تكون القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وإسرائيل ذات سيادة وآمنة إلى جانب فلسطين ذات سيادة وآمنة، بما في ذلك إمكانية التبادل الودي للأراضي على أساس قرارات الأمم المتحدة. ويتعين على الإسرائيليين والفلسطينيين أن يشاركوا على قدم المساواة في العملية المشتركة المتعلقة بمستقبل المنطقة".
وأصدر المؤتمر قرارا بدعم حملة "من أجل سلام عادل في غزة، أوقفوا صادرات الأسلحة وأوقفوا الحصار ومنع المساعدات" الذي أصدرته العديد من المنظمات الإنسانية ومنظمات السلام بضمنها: فروع المانيا لمنظمات أطباء بلا حدود، اوكسفام، منظمة مساعدة اللاجئين، منظمة باكسي كرستس للسلام، وكذلك منظمة مديكو انترنشال.
السلام العالمي
أصدر المؤتمر القرار التالي بشأن السلام العالمي:" تحقيق السلام: الدبلوماسية بدلاً من الأسلحة".
باعتباره حزب سلام، يتبنى حزب اليسار أولوية الحلول المدنية وغير العسكرية. إن الدبلوماسية والمفاوضات وخفض التصعيد والعقوبات الهادفة التي تستهدف قاعدة القوة الاقتصادية والسياسية للمعتدي وقدراته العسكرية هي الوسائل المفضلة بالنسبة لنا لإسكات الأسلحة ووقف القتل".
وقد جاء التوصل لهذه الصيغة بعد نقاشات مطولة اتسمت بالتعارض وعكست التباين الذي يعيشه الحزب بشأن الموقف من قضية السلام في العالم.
بالإضافة إلى ذلك أصدر المؤتمر قرارا للتضامن مع شعب الصحراء الغربية. واختتمت اعمال المؤتمر بالنشيد الأممي.