في كوريا الجنوبية الصراع يتواصل بين الرئيس والمعارضة


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8182 - 2024 / 12 / 5 - 00:19
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

منذ مساء الثلاثاء الفائت، وحتى ساعة إعداد هذا التقرير تتوالى فصول الصراع بين رئيس الجمهورية، يون سوك يول والمعارضة، وتشير آخر التطورات إلى تزايد الدعوات إلى عزل الرئيس.

بدأ مسلسل الاحداث بإعلان الرئيس في وقت متأخر من مساء الثلاثاء الأحكام العرفية، متهمًا المعارضة بالتعاطف مع كوريا الشمالية والقيام بأنشطة "مناهضة للدولة"، وخصوصا الجهود التي بذلت لعزل العديد من المسؤولين الحكوميين، بما في ذلك وزير الدفاع، الذي أتهم بوقوفه وراء مرسوم فرض الأحكام العرفية. وتضمن المرسوم حظر الاحتجاجات والنشاط السياسي، ومنح الجيش سلطة حكم مؤقتة.

وعلى الرغم من ذلك استمرت الاحتجاجات الشعبية، وتدافع أعضاء البرلمان مع قوات الجيش المحيطة بمبنى البرلمان وهم في طريقهم لدخول المبنى.

وفي الساعات الأولى من يوم الأربعاء، صوت 190 نائبًا بالإجماع ضد مرسوم الأحكام العرفية، وبالتالي فرضوا على الرئيس، وفقا للدستور، سحب مرسومه المثير للجدل السابق. بعد أن فشلت محاولات العسكر في منع البرلمانيين من التصويت على رفع المرسوم الرئاسي.

بعد التصويت تابع الكوريون مشاهد انسحاب القوات العسكرية عبر شاشات التلفزيون. بعد إلغاء الأحكام العرفية، وموافقة الحكومة على قرار الإلغاء، بدأت المعارضة بالهجوم المضاد، وبدأت المطالبات باستقالة الرئيس تتصاعد، وفي حال عدم تنحيه الطوعي فيصار إلى عزله. وامتد الغضب على الرئيس إلى صفوف حزبه، حيث طالب رئيس الحزب الرئيس بالاعتذار، وتقديم تفسير لسلوكه. وارتباطا بذلك قدم وزير الدفاع الاعتذار إلى الشعب الكوري وأعلن استقالته.

تبريرات الرئيس
جاء إعلان الأحكام العرفية نتيجة لخلاف بين حزب الرئيس والحزب الديمقراطي المعارض حول قانون ميزانية العام المقبل. ولم يوافق نواب المعارضة، الذين يتمتعون بالأغلبية في البرلمان، إلا على نسخة مخففة بشكل كبير من مشروع الميزانية في اللجنة البرلمانية المسؤولة الأسبوع الفائت.

لم يطرح الرئيس أية تفسير لإعلانه الأحكام العرفية، واكتفى بالزعم أن الحزب الديمقراطي، الذي يقود المعارضة البرلمانية، دفع البلاد إلى حافة الانهيار من خلال تخفيضات الميزانية وإجراءات عزله. لكن قائمة الأعمال التخريبية المزعومة، والتي يرى الرئيس أنها تقترب من الدعوة إلى التمرد، لا تبدو مقنعة. وقد تم ذكر التخفيضات الصارمة في ميزانية الشرطة، وكذلك رفض زيادة رواتب الجنود، وممارسة ترهيب السلطة القضائية. وان المساءلة وإقالة وزرائه يعدان عملية تفكك للدولة. وفي نهاية خطابه، هدد يون بأنه سيقضي على العناصر "الموالية لكوريا الشمالية" والمناهضة للدولة.

لقد أصبح يون الشعبوي اليميني، الذي أصبح رئيسًا بفوز ضئيل للغاية في الانتخابات في ربيع عام 2022، شخصية مثيرة للجدل منذ الثلاثاء الفائت. وخلال حملته الانتخابية، أعلن يون، الذي كان يشغل سابقًا منصب المدعي العام، أنه سيحاكم منافسه الرئاسي آنذاك لي جاي ميونغ. ثم حاول ذلك أيضاً.

وأوضحت وسائل اعلام محلية، أن هذه التحقيقات كانت "ذات دوافع سياسية لأنها كانت انتقائية". ويستخدم الرئيس أيضًا أساليب التخويف ضد شركات الإعلام الناقدة. ومع ذلك، قام يون بحماية الأشخاص المقربين منه من الملاحقة القضائية، بما في ذلك زوجته، التي اتُهمت بقبول هدايا. ومحليا يُطلق على الرئيس توصيف "ترامب كوريا الجنوبية"، لعدم احترامه الديمقراطية.

التداخل بين الماضي القريب والحاضر
عاشت الكوريتان منذ عام 1950 حرب استمرت ثلاث سنوات قاتلت فيها قوات أممية بقيادة الولايات المتحدة إلى جانب الجنوب، في حين دعم الاتحاد السوفيتي والصين كوريا الشمالية بقيادة حزب العمل بزعامة كم اول سنغ، وعلى الرغم من التوصل إلى وقفا لأطلاق النار، إلا أن حالة الحرب بين البلدين مستمرة حتى اليوم. ومثلت الحرب الكورية أحد ميادين الحرب الباردة بين الغرب الرأسمالي، والشرق الاشتراكي. وطيلة هذه العقود بذلت جهود متنوعة لأنهاء الصراع لم تفض إلى سلام دائم.

لقد سلطت الأضواء مجددا على الصراع بين الكوريتين، على إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، وتصاعد المواجهات الجيوسياسية بين المعسكر الغربي وبلدان حلف الناتو، والصين وروسيا، المدعومتين من العديد من بلدان الجنوب الساعية إلى عالم متعدد الأقطاب، وكسر الهيمنة الأمريكية، التي بدأت دائمة في العقود الأولى التي تلت تفكك المنظومة الاشتراكية في أوربا. إن انقسام الكوريتين بين جنوب مرتبط بالسياسة الامريكية، وشمال متحالف مع روسيا، انعكس أيضا على تصعيد أجواء المواجهة بين البلدين.

وفي كوريا الجنوبية تواجه سياسات التصعيد مع الشمال بالرفض من اليسار ومن المعارضة الليبرالية، وخصوصا بعد تهديد رئيس الجمهورية، لحكومة كوريا الشمالية. ولا تحظى فكرة تزويد أوكرانيا بالأسلحة، بشعبية كبيرة في البلاد. يقول مون تشونغ إن، الأستاذ في جامعة يونسي والمستشار السابق للرئيس الليبرالي السابق مون جاي إن: "يعود هذا ببساطة لأن الناس يريدون البقاء خارج الصراع".