عد الفيتو الرئاسي ضد تمويل الجامعات الحكومية.. احتجاجات مليونية غاضبة تعم الأرجنتين


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8133 - 2024 / 10 / 17 - 00:50
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

فشلت المعارضة البرلمانية بفارق ضئيل الأسبوع الفائت في محاولتها تجاوز النقض الذي استخدمه الرئيس الأرجنتيني الفاشي " خافيير ميلي" ضد مشروع قانون تمويل الجامعات العامة الذي أقره البرلمان.

وكان ميلي قد استخدم الفيتو الرئاسي في مساء التظاهرات الحاشدة التي شهدتها الجامعات الحكومية الأسبوع السابق. وتطلب الغاء الفيتو ثلثي أصوات النواب الحاضرين، أي 166. لكن 159 نائبا فقط صوتوا ضد الفيتو وامتنع خمسة عن التصويت. وحصلت الحكومة على 85 صوتا فقط. وقد عاشت الارجنتين سيناريو مماثلا، عندما استخدم الرئيس الفيتو ضد زيادة المعاشات التقاعدية. كان متوقعا أن يخسر الرئيس الفاشي هذه المعركة لولا الضغط على حكام الولايات، والدعم الذي تلقاه من الرئيس اليميني الأسبق مارسيو ماكري.

رد فعل غاضب
لم يكن رد فعل المجتمع الغاضب متوقعا. وشمل جميع أنحاء البلاد، لقد احتل الطلاب والتلاميذ أكثر من خمسين كلية ومدرسة ثانوية وتمت الدعوة إلى إضراب وطني. وعلى النقيض من الاحتجاجات السابقة، فإن هذه الاحتجاجات شملت جميع فئات المجتمع: من الطلاب إلى الموظفين والمحاضرين إلى مديري المدارس، بالإضافة إلى دعم أوساط واسعة من الشعب.

وانعكس هذا الغضب في الشارع، حيث طارد حشد من الطلبة نائباً وعضوين آخرين من حزب الرئيس في حرم جامعة لابلاتا. وخلال تصويت البرلمان على الفيتو الرئاسي، اندلعت احتجاجات بالقرب من البرلمان وتم اعتقال سبعة محتجين. وشمل غضب المحتجين إعلاميا فاشيا شهيرا، اضطرت الشرطة إلى حمايته بقوة كبيرة. واعتبرت جامعتان النواب الذين ايدوا فيتو الرئيس شخصيات غير مرغوب فيها. وحصلت حالات مماثلة في انحاء أخرى من البلاد.

وشمل الغضب الرئيس شخصيا، الذي قوبل بشعارات غاضبة وشتائم عند زيارته أحد المؤسسات التعليمية.

وعلى الرغم من أن الدعم لعمل الحكومة في تراجع مستمر، إلا أن الاحتجاجات السابقة لم تصل إلى درجة العداء والرفض الواسع، إلا بعد اندلاع الاحتجاجات الطلابية في الأيام القليلة الفائتة.

من الواضح أن التعامل مع حقوق المتقاعدين والطلبة، والاحتفال الفاحش بعد الفيتو على زيادة المعاشات التقاعدية، ومحاولة الحكومة قبل أيام قليلة إغلاق أهم مستشفى حكومي للأمراض العقلية في بوينس آيرس، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير. وعلى الرغم من تراجع الحكومة عن قرارها، بعد احتجاجات غاضبة، فجرها تسريح 600 من العاملين في المستشفى ومصير المرضى المجهول.

تبرير وقح
وتبرر الحكومة تخفيض التمويل بالالتزام بقانون الموازنة. وتساءل الرئيس بشكل استفزازي من أين ستأتي الأموال المطلوبة؟ ورد الرافضون لسياسات الحكومة، أن الأموال التي تخسرها الدولة نتيجة للإعفاءات الضريبية الأخيرة للأثرياء تساوي أو تتجاوز التخصيصات المفقودة للتعليم، وأن هذه التخفيضات تحدث عجزا في الموازنة، أعلى بكثير من تلك التي قد تسببها تخصيصات القطاع التعليمي الضرورية. وأن الإعفاء الضريبي الممنوح للقضاة يمكن أن يغطي الإنفاق على التعليم العالي.

طبيعة الاحتجاجات
تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليوني مواطن خرجوا إلى الشوارع، نصفهم في العاصمة بوينس ايرس التي تعد من أكثف المدن سكانيا. وكانت هناك تظاهرات ومسيرات في العديد من عواصم المقاطعات وكذلك في المدن الصغيرة. وقد دعت المنظمات الطلابية والمجلس الوطني المشترك بين الجامعات ونقابات المحاضرين والموظفين إلى ذلك. وحظيت الدعوة بدعم النقابات العمالية والأحزاب السياسية.

وشارك العديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية، بما في ذلك أعضاء الأحزاب السياسية المقربة من الحكومة، مثل عمدة بوينس آيرس السابق، إلى جانب مشاركة شخصيات من المعارضة.

وشارك المرشح الرئاسي اليساري سيرجيو ماسا، كما دعمت الرئيسة اليسارية السابقة كريستينا كيرشنر إحدى المسيرات التي مرت أمام مكتبها. وكانت حكومتها، قد أسست 18 جامعة عامة جديدة، ثماني منها في منطقة بوينس آيرس الكبرى والبقية في المقاطعات، بهدف صريح يتمثل في منح المناطق المهملة سابقاً إمكانية أفضل للوصول إلى التعليم العالي. ومباشرة بعد توليها السلطة، ألغت حكومة ميلي خمسة مشاريع جامعية جديدة كان قد تم إقرارها.

وكالعادة، حاولت دوائر قريبة من الحكومة تشويه الدعوة للتظاهر. وانتشرت تقارير عديدة حول إساءة استخدام أموال دافعي الضرائب، والرواتب المفرطة، و"الطلاب الأشباح" المزعومين، ورفض الجامعات الخضوع لعمليات التدقيق. كما شارك الرئيس ميلي نفسه على تويتر وادعى أن الاحتجاجات كانت جزءًا من محاولة انقلاب وللحصول على امتيازات غير قانونية.

هذه القضية تثير قلقًا كبيرًا لدى الجمهور: فالمجتمع الأرجنتيني فخور جدًا بجامعاته العامة. وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة تأييد أغلبية كبيرة لمشروع قانون التمويل وضد الفيتو الرئاسي.

والأحزاب المقربة من الحكومة تدرك ذلك أيضاً، خاصة الأحزاب التي لديها رصيد في مجالس الطلبة. لقد عاقب الطلبة هذه الأحزاب في الانتخابات الأخيرة في جامعة بوينس آيرس، وخسر العديد من مواقها التقليدية لصالح قوى اليسار والوسط.