على الرغم من احتواء اللوبي الصهيوني وسائل الإعلام المهيمنة / مساواة التضامن مع الفلسطينيين بمعاداة السامية مجافية للحقيقة


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8131 - 2024 / 10 / 15 - 00:02
المحور: القضية الفلسطينية     

إن المتابع للجدل الإعلامي المحتدم بشأن حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني في الجامعات الألمانية في الأشهر الأخيرة قد يتوصل، بفعل ما هو سائد، إلى استنتاج مفاده أن معاداة السامية منتشرة على نطاق واسع بشكل خاص بين الطلاب اليساريين المؤيدين لحقوق الشعب الفلسطيني. لقد توصلت دراسة أجراها أخيرا الأستاذان في جامعة مانهايم، مارك هيلبلينغ وريتشارد تراونمولر حول انتشار معاداة السامية ومعاداة الصهيونية ومواقف التضامن مع الشعب الفلسطيني، إلى نتيجة معاكسة: إن المجموعة ذات الموقف الأكثر وضوحًا المؤيدة للفلسطينيين هي الأقل معاداة للسامية في ألمانيا.

معاداة السامية التقليدية مستمرة
ووفقا للدراسة، ما يزال من الممكن "إثبات المواقف التقليدية المعادية للسامية بشكل واضح" في المجتمع الألماني، أي معاداة السامية الموروثة من القرون التي سبقت اندلاع الصراع في الشرق الأوسط. بموجب الدراسة، يعتقد 8 في المائة من السكان، أن اليهود "يرغبون في الحصول على المال" أكثر من غيرهم. ويوافق 13في المائة أيضًا (إلى حدٍ ما) على أن اليهود لديهم "تأثير كبير جدًا في العالم". ووفقا للاستطلاع، فإن نسبة الذين يعتقدون أن اليهود "يتحدثون عن المحرقة من أجل تعزيز أجندتهم السياسية ايضا" أعلى من ذلك وتبلغ 18 في المائة.
يفترض واضعو الدراسة أن المواقف التقليدية المعادية للسامية أكثر انتشارًا مما جاء في الاستطلاع. وفي ضوء الإدانة الاجتماعية لمعاداة السامية، يمكن افتراض أن التعامل مع الاستطلاع جرى تحت تأثير الاستجابة المرغوب فيها اجتماعيا، أي ان النسبة يمكن ان تكون أعلى من المتحقق.
ودرس الباحثان أيضًا مدى انتشار المواقف المناهضة للصهيونية أو المناهضة لإسرائيل بين السكان. ويفهم الباحثان معاداة الصهيونية باعتبارها شكلاً غير تقليدي من معاداة السامية، وهو افتراض مثير للجدل في البحوث التي تتناول معاداة السامية.
وفقا للدراسة فإن 82 في المائة من السكان يعتقدون أن لإسرائيل الحق "في الوجود كوطن للشعب اليهودي". و86 في المائة يعتقدون أن لإسرائيل الحق في "الدفاع عن نفسها ضد من يريد تدميرها". لكن هذا الدعم الواسع لدولة الاحتلال لا يعني عدم وجود انتقادات حادة، بين سكان ألمانيا لسياستها، وخاصة تجاه الشعب الفلسطيني.
ترى أغلبية واضحة من سكان ألمانيا أن للفلسطينيين "الحق في إقامة دولتهم" (85 في المائة). ويرى 62 في المائة أن الفلسطينيين "يتعرضون للاضطهاد، منذ عقود، من قبل دولة الاحتلال.

تجاهل الحقيقة الاجتماعية
يتناول الجزء الثاني من الدراسة الافتراض القائل، بأن معاداة السامية منتشرة بشكل خاص في الأوساط الشبابية واليسارية والجامعية. وعمليا، توصلت الدراسة إلى نتيجة مغايره، مفادها أن الاتهام بمعاداة السامية الموجه إلى الشباب اليساري يتجاهل الحقائق الاجتماعية.
وتوصل الباحثان إلى هذا الاستنتاج من خلال دراسة انتشار المواقف المعادية للسامية والمؤيدة للفلسطينيين حسب الفئة العمرية والموقف السياسي، وكذلك حسب الفئة العمرية والمؤهل التعليمي. ثم البحث في إمكانية الارتباط بين المواقف المؤيدة للفلسطينيين وتلك المعادية للسامية.
وتبين أن الشباب اليساري الذين تقل أعماره عن 35 عامًا ويحمل شهادة جامعية، هم المجموعة الأقل معاداة للسامية بين سكان ألمانيا. والعكس صحيح: فكلما كانوا أكبر سنا، وأكثر يمينية، وأقل تعليما، كانوا معادين للسامية وفق السياق التقليدي. فقط في فئة معاداة الصهيونية، التي تسميها الدراسة: "معاداة السامية المعادية للصهيونية" تكون نسبة الشباب اليساريين أكثر قليلاً من المجموعات الأخرى. ومع ذلك، وبشكل عام، لا توجد سوى اختلافات ضئيلة في المواقف المناهضة للصهيونية على أساس العمر والتوجه السياسي والتعليم.

لا علاقة للتضامن
مع الشعب الفلسطيني بمعاداة السامية
كان السؤال الحاسم، بالنسبة للباحثين، هو ما إذا كانت المواقف المؤيدة للفلسطينيين في الوسط الشبابي واليساري والجامعي "هي معاداة سامية مخفية إلى حد ما، أو ما إذا كان من الممكن تمييز هذين التوجهين بوضوح عن بعضهما البعض". لقد وجد الباحثان أن هناك علاقة ارتباط تبلغ 0,07 فقط بين المواقف المؤيدة للفلسطينيين ومعاداة السامية التقليدية بشكل عام. وهذا يعني: ان كلتا الظاهرتين منفصلتين عن بعضهما البعض. وتكاد النسبة لا تذكر 0,04 في المائة فقط بين اليساريين الحاصلين على تعليم جامعي.