البرلمان الكولومبي يقر قانونا يحظر زواج القاصرات


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8201 - 2024 / 12 / 24 - 01:00
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة     

يدور في بلادنا صراع بين متنفذي السلطة، والقوى السياسية والاجتماعية الديمقراطية بشأن إفراغ قانون الأحوال المدنية رقم 188 لسنة 1959 المعدل من مضامينه المعتدلة وإخضاعه لقراءات طائفية تستند إلى تأويل النص الديني ليخدم توجهاتها في السير على طريق تعزيز ملامح الاستبداد في النظام السياسي السائد.

وفي الوقت نفسه تجري محاولات جادة لتشذيب البنية الاجتماعية والقانونية من مخلفات عقود طويلة من حكم قوى اليمين والرجعية. ويمكن القول إن عددا من بلدان أمريكا اللاتينية، تحولت إلى ميدان لسلسلة من التحولات الإنسانية، بفضل النجاحات الانتخابية للقوى اليسار والتقدم فيها، التي أوصلت حكومات تضع مصلحة الإنسان عموما، والنساء بشكل خاص في مركز اهتمامها.

في كولومبيا، أقر مجلسا النواب والشيوخ مشروع قانون يحظر زواج الأطفال والزواج المبكر. وبمصادقة رئيس الجمهورية اليساري غوستافو بيترو، ستنتهي عقود استمرت أكثر من قرن من الزمان، حيث سيلغي القانون الجديد جميع النصوص السابقة التي تشرعن زواج القصر دون سن 14 عامًا بموافقة الوالدين.

تحت شعار "إنهن صبايا ولسن زوجات"، احتفلت السيناتور كلارا لوبيز من تحالف "الاتفاق التاريخي" الحاكم والنائبتان المستقلتان جنيفر بيدرازا وألكسندرا فاسكيز بنتيجة التصويت الأخير في مجلس الشيوخ. منذ 2007، كانت هناك تسع محاولات فاشلة للوصول لهذا الهدف. لقد ضمنت حكومة اليسار جوهر مشروع القانون في خطة التنمية الوطنية الموسومة "كولومبيا -قوة عالمية من أجل الحياة".

أضرار موجعة
تقول مارتا رويو، الرئيسة التنفيذية لمنظمة " برو بروفاميليا" المهتمة بشؤون العائلة، في كثير من الحالات، يؤثر الزواج المبكر سلبا على الأطفال الذين تزيد أعمارهم قليلا عن عشر سنوات، وأن هذه المشكلة أصبحت "طبيعية" بفعل التشريع والعرف المجتمعي: "لقد أضر هذا الواقع بآلاف الأطفال الذين توقفت عملية نموهم الطبيعي للقيام بأدوار لم يكونوا مستعدين لها جسديًا أو نفسيًا". ويربط الخبراء أيضًا زواج الأطفال بالعنف الجنسي والتسرب من المدارس والحمل المبكر.

ووفقا للمبادرين إلى تشريع القانون الجديد، فإن منع الزواج المبكر شرط أساسي لضمان حقوق آلاف الأطفال والفتيان. ويجب أن تكون الخطوة التالية، في ظل حماية القانون، تشجيع توسيع تعليم وتعزيز وعي الأولاد والبنات بشأن حقوقهم وحياتهم الجنسية والإنجابية وضمان مسارهم التعليمي.

وعادة ما تعقد مثل هذه الزيجات الضارة بين رجل بالغ وفتاة قاصر، الأمر الذي، عدته اليونيسيف أحد أسباب استمرار "دوامة الفقر" والتسرب من المدارس وفقدان "استقلالية المرأة".

ولا تنحصر ظاهرة الزواج المبكر في كولومبيا، بل تنتشر في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية، في الارجنتين يُسمح بالزواج اعتبارًا من سن 14 عامًا بموافقة القاضي. وفي بلدان أمريكا الجنوبية، يتراوح الحد الأدنى لسن الزواج ما بين 16 -18 عامًا.

دراسة أممية
ووفقاً لدراسة صادرة عام 2015 عن منظمة الأمومة والطفولة (اليونيسيف) التابعة للأمم المتحدة ومنظمة "الخطة" في غواتيمالا، فإن ثلث النساء الحوامل في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي لم يبلغن سن الثامنة عشرة. حوالي ستة بالمائة منهن أصغر من 15 عامًا. وكان الهدف من إعداد ونشر الدراسة لفت الانتباه إلى مشكلة الحمل عند القاصرات.

وأكد حينها كريستيان سكوج من اليونيسف، أن هذا الموضوع: "مهم جداً ومؤلم جداً"، إنها "دراما إنسانية" "يمر بها عدد لا يحصى من الفتيات، غير المستعدات لا جسديا ولا نفسياً لممارسة الجنس، ناهيك عن تربية طفل صغير". وأضاف: "مثلما نعلم جميعا، فإن حمل القاصرات غالبا ما يكون نتيجة للاغتصاب. كل يوم في غواتيمالا، يولد 14 طفلا لأبوين قاصرين". ولذلك دعا صراحة الحكومة الغواتيمالية إلى الوفاء بالتزاماتها وضمان احترام وحماية حقوق القاصرين.

كما أظهرت الدراسة أن الأسباب الرئيسية للحمل عند الفتيات ذات طبيعة بنيوية. ناتجة عن عدم المساواة بين الجنسين، ونقص التثقيف الجنسي، وصعوبة الحصول على الرعاية الصحية وحقوق الإنسان، والفقر والعنف، واعتبار الاعتداء الجنسي والإكراه وزواج القاصرات حقيقة واقعة. وأن العديد من الشابات والفتيات يتعرضن باستمرار لمختلف أشكال العنف والمخاطر، ولهذا السبب فإن الحمل بين القاصرات "هو نتاج للعنف الجنسي".

الدراسة التي تحمل عنوان "تجارب وتقارير عن حمل القاصرات. تقييمات العوامل الثقافية والاجتماعية والعاطفية. دراسة في ستة بلدان في المنطقة"، استندت إلى مقابلات مع نساء وفتيات وخبراء في المناطق الريفية والحضرية، من السود والسكان الأصليين (الهنود الحمر) في كل من البرازيل. وكولومبيا وغواتيمالا وباراغواي والسلفادور وجمهورية الدومينيكان.