مرحلة جديدة من حكم اليسار في المكسيك


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8124 - 2024 / 10 / 8 - 02:21
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

في الأول من تشرين الأول الحالي، أدت رئيسة الجمهورية الجديدة في المكسيك كلوديا شينباوم اليمين الدستورية، لولاية جديدة (6 سنوات)، عُدت مرحلة جديدة من التحول، الذي بدأ برئاسة أندريس مانويل لوبيز أوبرادور (أملو) في الأول من كانون الأول 2018.

إرث إيجابي
تستند الرئيسة الجديدة على الأرت الإيجابي لسلفها، الذي ودع الرئاسة والنشاط السياسي، وهو يتمتع بتأييد شعبي كبير وصل 74 في المائة على الأقل، وبين أوساط النساء تصل النسبة 78 في المائة.

تعود نسب التأييد الكبيرة إلى المنجزات المتحققة في السنوات الأخيرة مثل تخصيص تقاعد للمسنين، منح لتعليم للأطفال، تأسيس 145 جامعة ومعهد في سياق توسيع نطاق التعليم العالي العام والمجاني، ليشمل أطراف الريف، حيث وصول السكان إلى الجامعات صعبًا للغاية.

تدعم أغلبية المزارعين الصغار حكومة حزب مورينا وحلفائه، وخاصة حزب العمال وحزب الخضر، بسبب المبادرات العديدة في إطار برنامج "(الدعم الاقتصادي لإعادة التشجير واستصلاح الأراضي الزراعية)؛ وأسعار مدعومة للحبوب الأساسية، وتقديم القروض الصغيرة؛ والإعانات المباشرة للمنتجين؛ بالإضافة إلى العديد من تدابير البنية التحتية التي تعمل على تحسين الظروف المعيشية وتطوير الأنشطة الاقتصادية وضمان النقل المناسب للمنتجات، وقد أشارت الرئيسة الجديدة إلى تصميمها على مواصلة إنجازات سلفها أملو.

أكثرية في السلطتين
وتعتمد الرئيسة الجديدة على أغلبية مريحة في البرلمان وحكام 23 ولاية من أصل 32 ولاية في البلاد. ولهذا سوف تحافظ على الإنجازات الاجتماعية، وتعمل على توسيعها، وخصوصا تشديد الحرب ضد الفقر، الذي انخفض خلال السنوات الست الأخيرة، لكنه مازال يبلغ 35 في المائة بسبب تأثيرات وباء كورونا.

يقوم اقتصاد البلاد على أسس متينة. لقد ارتفعت قيمة العملة الوطنية (البيزو) بشكل كبير مقابل الدولار. ووصل احتياطي البنك المركزي إلى مستوى تاريخي بلغ 225،427 مليار دولار، وبلغت صادرات2023 قرابة 600 مليار دولار. وبالإضافة إلى ذلك، هناك علاقات تجارية وتكنولوجية متنامية مع الصين، التي أصبحت ثاني أهم شريك تجاري بعد الولايات المتحدة الأمريكية.

بالإضافة إلى ذلك، تلقت البلاد 63 مليار دولار من الحوالات المالية من المكسيكيين في الخارج وأكثر من 12 مليار دولار من واردات السياحة. تخلق هذه المعطيات حالة من التفاؤل، على الرغم انها لا تخلو من التحديات.

تحديات
على الرغم من حالة الرضا التي تسود الأوساط الحكومية، هناك قناعة راسخة بوجود الكثير الذي يجب القيام به، لعدم إمكانية القضاء على إرث حكومات الليبرالية الجديدة السابقة خلال ست سنوات فقط. على سبيل المثال صعوبات تحقيق تقدم في ملف الإصلاح الضريبي، وترشيد استقلالية البنك المركزي، وتغيير المحتوى الليبرالي الجديد في اتفاقية التجارة الحرة بين المكسيك والولايات المتحدة، التي تحد من حيز مناورة حكومة اليسار.

وعلى الصعيد الداخلي، سيتعين على رئيسة الجمهورية التعامل مع العديد من القضايا الموروثة والمتراكمة في الملف الأمني. يؤدي العنف وتهريب المخدرات، وخاصة في شمال البلاد إلى حدوث (80 – 100) جريمة قتل. وفي عام 2023، بلغ معدل جرائم القتل 23,3 لكل 100 ألف مواطن.

مشكلة العنف، مرتبطة بتجاوز تحدي تنفيذ الإصلاح القضائي، الذي يحتاج إلى تعديل دستوري. وهو أمر إذا ما تحقق سيكون له تأثير في عموم بلدان أمريكا اللاتينية، التي تعاني من وجود نظام قضائي متخلف.

السياسة الخارجية
تواجه رئيسة البلاد الجديدة صعوبات الوضع العالمي المضطرب. والأكثر أهمية التوترات الناتجة عن الاتفاقية الجديدة بين المكسيك والولايات المتحدة وكندا، في إطار اتفاقية التجارة الحرة. ومن المعروف أن المكسيك هي أهم دولة في العالم بالنسبة لواشنطن، حتى لو ادعت السلطات الأمريكية غير ذلك من أجل إضعاف الموقف التفاوضي للمكسيك.

يضاف إلى ذلك التدخل الأمريكي في شؤون المكسيك الداخلية، مثل المعارضة المسلحة لإصلاح الطاقة، وحالياً للإصلاح القضائي. هناك أيضًا ملف الهجرة المعقد، حيث تعتبر المكسيك نقطة عبور للقوافل الضخمة لضحايا السياسات الليبرالية الجديدة من دول أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي إلى الولايات المتحدة. وهذا يثير ردود فعل عنصرية وعدوانية للغاية من السلطات الأمريكية، مثل رد فعل دونالد ترامب، وبدرجة أقل رد فعل نائبة الرئيس الحالي كاميلا هاريس.

ويلعب الدور الصيني المتنامي عامل توتر في العلاقة المعقدة أصلا مع واشنطن. ولا ينحصر ذلك في ملف التجارة الخارجية، بل يتعداها إلى قضايا جيوسياسية ذات أهمية كبيرة.

وهناك أيضا احترام المكسيك العميق لحق تقرير المصير، ودعمها للتعددية، بما في ذلك التعددية القطبية التي سوف تسود في النظام الدولي. انضمام المكسيك إلى مجموعة بريكس، أمر وارد، في حال حدوثه، سيعمق توتر علاقات المكسيك بالولايات المتحدة.

باختصار، سوف تواجه الرئيسة الجديدة تحديات محلية ودولية. لكنها، وفق متابعين شخصية ذكية للغاية وتتمتع بخلفية سياسية قوية وسجل طويل في الإدارة العامة.

لم يتمكن أثرياء المكسيك المدعومون أمريكيا من هزيمة سلفها الرئيس أملو، الذي سلبهم العديد من امتيازاتهم ووضع حد للنهب الذي مارسوه لأكثر من قرن. وبالتالي لن يتمكنوا من هزيمتها أيضًا، وهذه الرؤية جيدة للمكسيك وعموم أمريكا اللاتينية.