ثلاث سنوات على عودة الدكتاتورية الى أفغانستان


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8074 - 2024 / 8 / 19 - 22:17
المحور: الارهاب, الحرب والسلام     

مرت في 15 آب الحالي الذكرى الثالثة لعودة حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان. عندما كانت قوات النخبة من الجيش الافغاني تقاتل، ذلك اليوم في شمال البلاد، انهارت الحكومة في كابول. وفر أشرف غني، آخر رئيس، مع مستشاريه بينما رفع إرهابيو طالبان علمهم في العاصمة. وشهد مطار كابول فوضى عارمة، لأن الناتو كان مشغولاً بالانسحاب. وتم إجلاء آلاف الأفغان. لقد انتهت "الحرب الأميركية على الإرهاب". وأعلنت حركة طالبان انتصارها وإعادة تأسيس "إمارتها الإسلامية".

مع عودة دكتاتورية الملالي، تم حظر التعليم والعمل وفرض الرقابة وممارسة العديد من الأعمال الانتقامية. وحرمت النساء الأفغانيات من التعليم الثانوي. وفرض، منذ أواخر عام 2022، حظر شامل على التحاق النساء بالجامعات. وإذا ظهرهن في الحرم الجامعي، فسوف يطاردهن مسلحو طالبان، ويصبحن عرضة لأسوأ الاشياء. ولا مكان لحرية الصحافة وحرية التعبير في إمارة طالبان، التي تكاد تنفرد في السيطرة الكاملة على جميع وسائل الإعلام. اما الصحفيون الأجانب فيجب ان يكونوا معتمدين لدى النظام. وإلا فإن خطر القبض عليهم كجواسيس وارد جدا. بالإضافة إلى ذلك يعاني الناس من صعوبات الحياة اليومية، والكوارث الصحية، كأحد مخلفات الحروب المتوالية، والفقر المدقع، والمجاعة، وآثار تغير المناخ. بالنسبة لطالبان، فإن هذا وغيره الكثير غير مهم إزاء الاحتفال بالذكرى الثالثة "للانتصار على الأعداء.

صفقة الدوحة
في شباط 2020 وقعت الولايات المتحدة في الدوحة صفقة مع حركة طالبان، جاءت بعد مفاوضات طويلة، اتفق الجانبان على سحب القوات بشروط معينة، مثل ألا تصبح أفغانستان ملاذاً آمناً للجماعات الإرهابية النشطة دولياً. وقد استبعد الاتفاق حتى حكومة كابول التي نصبها الامريكان، وبالتأكيد لم يكن لشعب فعانستان دور او علاقة بما حدث. لقد أدت صفقة الدوحة إلى إحباط معنويات الجيش الافغاني. وبعد توقيع الاتفاق تم إطلاق سراح 5 آلاف إرهابي، عادوا للقتال تحت راية طالبان.

عودة طالبان دفعت الكثير من الجنود والضباط إلى الهرب بملابس مدنية إلى العاصمة، او إلى مدن لم يقاتلوا فيها أملا في الإفلات من الملاحقة المنتظرة. لقد قامت حركة طالبان بمطاردة منتسبي الجيش السابق. وفق تقارير منظمات حقوقية ووسائل الإعلام، تعرض عشرات الجنود للاختطاف والتعذيب والقتل في الأسابيع والأشهر الأولى من عودة طالبان إلى السلطة. لقد تخلت قوات الناتو عن مقاتلي الجيش الافغاني، التي كانت ترسلهم لتنفيذ عمليات انتحارية وعمليات محفوفة بمخاطر جسيمة.

وعندما لم يجد الكثير من منتسبي الجيش السابق جهة او وسيلة لحمايتهم، فرو، بمساعدة المهربين إلى إيران وتركيا، وبعضهم وصل إلى المانيا وبلدان اوربية أخرى. لقد تبدد حلم هؤلاء بالحصول على الحماية في بلدان الجيوش التي قاتلوا الإرهاب إلى جانبها، فكان الرفض وانتظار المجهول نصيبهم. أما عوائلهم ومساكنهم فقد تحولت إلى أهداف لانتقام مليشيا طالبان، وهدف للنهب من عصبات الجريمة. أما من بقي مختفيا في هذه المدينة او تلك القريبة، فمخاوف تغيير طواقم الدوريات المستمر تطارده، وقد يقع في أيدي من يتعرف على شخصيته.

وكذلك أصبحت الهجرة إلى الخارج ملاذ الكفاءات الأكاديمية والعلمية، وخصوصا بين أوساط النساء، وبالتأكيد عند توفر الفرصة، في حين يبقى الآخرون أسرى في بلادهم. خلال الحرب التي استمرت عشرين عاماً في أفغانستان، وقعت جرائم حرب عديدة ارتكبها جميع الأطراف. وفي حين كانت حركة طالبان تثير الضجة بانتظام من خلال التفجيرات الانتحارية، فإن العمليات التي ينفذها الجيش، والتي كانت موضع انتقاد في بعض الأحيان، حتى من قِبَل رؤساء الولايات المتحدة، حظيت بقدر أقل من الاهتمام. لقد سقط العديد من المدنيين ضحية للصراع بين الجيش وطالبان، لاندساس مقاتلي الأخيرة بين المدنيين وتحويلهم إلى دروع بشرية، وبالتالي تحمل الجيش جريرة أخطائه.

مفهوم جدا أن طالبان تبني دكتاتوريتها، وفق خطة مسبقة مبنية على توظيف اللحظة المثلى لترسيخ استبدادها، لقد بدأت طالبان عهدها الجديد بشيء من المرونة الشكلية، لكنها انتقلت الآن لبناء الدكتاتورية المباشرة.