المشتركات بين المنظمات الإرهابية والفاشيين الجدد


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8112 - 2024 / 9 / 26 - 00:16
المحور: الارهاب, الحرب والسلام     

بعد الهجوم الذي وقع في مدينة سولينغن الالمانية، الذي قتل فيه مرتكب الجريمة المتطرف المشتبه به ثلاثة أشخاص وأصاب آخرين بجروح خطيرة، اندلع جدل ساخن مرة أخرى في ألمانيا حول تشديد قوانين اللجوء والترحيل. وفي هذا السياق، تطرح قوى اليمين السياسي نفسها كمنقذ عبر تصوير التطرف على أنه مشكلة "مستوردة".
يُنظر في أوربا إلى متطرفي الإسلام السياسي والثقافات المرتبطة به، على أنها أجنبية ومختلفة بطبيعتها. غالبًا ما يُنظر إليها على أنها أيديولوجية رجعية مستقلة بشكل أساسي. لكن ذلك لا يتوافق مع الواقع. ولم تنشأ الإسلاموية من فراغ، ولكنها تشبه إلى حد كبير في كثير من النواحي رؤى اليمين الأوروبي.
تهدف الإسلاموية في جوهرها إلى إقامة دولة شمولية ونظام اجتماعي تخضع فيه جميع نواحي الحياة للأعراف والقوانين "الإسلامية". وفي هذا الصدد، فهي تشبه التكاملية الكاثوليكية في القرن التاسع عشر وسيادة الأصوليين المسيحيين في الولايات المتحدة. لكن هناك خلافا داخل التيار الإسلامي المتطرف حول كيفية تحقيق هذا الهدف، خاصة فيما يتعلق بمسألة استخدام القوة. فالجهادية، على سبيل المثال، تدعو إلى الكفاح المسلح ضد أعداء الدين، في الداخل أو الخارج. بالإضافة إلى هذه الرؤية للدولة، تحتوي الاسلاموية أيضًا على عدد من السرديات بشأن الاعداء ترتبط بشكل واضح برؤية الفاشية الجديدة.

حرب ثقافية رجعية
منذ عقود يحذر الفاشيون من "التسلل الأجنبي" المزعوم، و"التغيير الديمغرافي"، و"الأسلمة"، ويشعر الإسلاميون دوما بتهديد "التغريب". ووفقاً لأيديولوجيتهم، فإن الإسلام مهدد بمؤامرة تهدف إلى تقويضه من الداخل. لا تلعب الهجرة عندهم دورًا مركزيًا، على عكس العولمة والإعلام.
بواسطة الأفلام والأدب والموسيقى، يتم إدخال أفكار "أجنبية" مفترضة إلى الثقافة الإسلامية، لها آثار "مدمرة" على المجتمع الإسلامي. وهنا بالتحديد توجد أوجه تشابه كبيرة مع مناقشات الفاشيين الجدد للحرب الثقافية، على سبيل المثال، يقدم اليمين "اليقظة" (الوعي الاوسع بالعدالة الاجتماعية) على أنها تهديد مماثل. ترى كلتا الحركتين أيضًا أنهما مدافعتان عن ذات المؤسسات الاجتماعية، وخاصة جوهر الأسرة التقليدية، والنظام الأبوي. وبالتالي، فإنهم يعارضون النسوية، وقيم التحرر والديمقراطية.
العودة للماضي
الإسلاموية هي أيديولوجية البحث في الماضي عن إجابات للمشاكل الراهنة. ويعتقد الإسلامويون أن الأجداد يقدمون الحلول لانحطاط العالم الحديث. ويلجؤون إلى صورة رومانسية للماضي تقدم صورةً مشوهً للتاريخ. ويتجاهلون التفاصيل التاريخية التي قد تشكك في الفصل الواضح المفترض بين "الانحطاط الغربي الحديث" و"الثقافة الإسلامية الخالصة".
ويمكن ملاحظة العودة للماضي أيضًا في الأيديولوجيات والحركات اليمينية الأخرى. إنه إسقاط للثقافة السالفة، والعودة الى زمن يدعون كان فيه المجتمع أكثر استقرارًا وأبسط وأقوى. على سبيل المثال، اكتشف حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف بسمارك والإمبراطورية الألمانية من جديد. إن الجوانب المظلمة في تاريخ الألماني، مثل العهد النازي أو التاريخ الاستعماري الألماني، لابد أن تختفي قدر الإمكان من الذاكرة الثقافية لخلق ارتباط إيجابي جوهري بالماضي.

الموقف من القومية
للوهلة الأولى، يبدو الموقف الإسلاموي من القومية هو التباين الأكبر عن اليمين الأوروبي. لقد كانت القومية العرقية تقليدياً منافساً للحركات الإسلامية. وكان يُنظر إلى الأنظمة القومية العلمانية، مثل أنظمة جمال عبد الناصر ومصطفى كمال أتاتورك ومحمد رضا بهلوي، على أنها معارضة أساسية لأنها استخدمت القومية بديلا عن الإسلام في تشكيل الهوية.
ومع ذلك، لم تكن الإسلاموية والقومية دائمًا متضادتين ولا يمكن التوفيق بينهما. وخاصة إذا وصلت الإسلاموية إلى السلطة، فمن المؤكد أنها تستطيع التصالح مع القومية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك تركيا. لقد خلقت حركات مثل "مملي جوروش" بزعامة نجم الدين اربكان وحزب العدالة والتنمية توليفة إسلامية- قومية تركية. وقد مكّن هذا حزب العدالة والتنمية من تشكيل تحالفات مع اليمين العلماني الراسخ في تركيا.

التغلب على الأيديولوجيات الرجعية
إن اليمين الأوروبي والإسلاموية ظاهرتان مرتبطتان في كثير من النواحي. إنهم يستخدمون صورًا وروايات ومخاوف مماثلة للعدو. لكن ما هو خطير بشكل خاص هو التخادم بينهما، عبر الاتفاق على عدم التوافق المزعوم بين الثقافتين "الإسلامية" و"الغربية". لذلك على المناضلين ضد الشمولية، تجنب إعادة إنتاج خطاب المعسكرين.
غالبًا ما تعتمد الأساليب التقليدية لمواجهة التطرف على التعليم، من خلال تحذير الشباب من المحتوى المتطرف في وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن هذا وحده ليس كافيا. لا يمكن التغلب على الأيديولوجيات الرجعية بواسطة الأفكار الأفضل أو التعليم فقط. ولا يتحول الشباب إلى التطرف عن طريق "الأفكار" فقط؛ بل إن الشباب عمومًا، سواء كانوا مسلمين أو غير ذلك عرضة للأيديولوجيات العنف الرجعية.
توفر لهم هذه الأيديولوجيات الجماعة والهوية والمعنى، وقبل كل شيء، صورة العدو الواضحة. وإجابات تبسيطية على المشاكل الفردية والنفسية والاجتماعية. لا يكفي دحض أيديولوجية ما فقط، بل يجب تقديم البدائل ومكافحة الأسباب الكامنة وراءها. وهنا تكمن الحاجة إلى هياكل يسارية: يمكنها تقديم الإجابات وتحديد الهوية والدعم. ومع ذلك، فإن محاولة مكافحة الخطر الذي يشكله الرجعيون اليمينيون بوصفات رجعية أخرى هي ببساطة أمر لا معنى له.
ـــــــــــــــــــــــــــ
*- عن مقالة نشرت أخيرا في جريدة نيوز دويجلاند الألمانية