احتجاجات ضد ميشيل بارنييه / ماكرون يسمي رئيس الوزراء واليمين المتطرف يقود الدفة


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8095 - 2024 / 9 / 9 - 22:13
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

خرجت السبت تظاهرات حاشدة في باريس ومدن فرنسية أخرى، رافضةً قرار الرئيس ماكرون تعيين اليميني المحافظ ميشيل بارنييه رئيسا للحكومة الجديدة، في تنفيذ لإصراره على حرمان تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري الفائز في الانتخابات الأخيرة (192 مقعد) من حقه في تشكيل الحكومة. ورفع المتظاهرون شعارات منتقدة لماكرون، واتهموه بعرقلة المسار الديمقراطي الطبيعي للبلاد وعدم احترام نتائج الانتخابات، عبر شعارات مثل "استقالة ماكرون"، و"ماكرون سرق صوتي". وجاءت التظاهرات تلبية لدعوة قوى اليسار الفرنسي، باستثناء الحزب الاشتراكي، ونقابات عمالية ومنظمات شبابية وطلابية.
ووفق استطلاع للرأي نشر الجمعة الفائت، فإن 74 بالمئة من الفرنسيين يعتقدون أن ماكرون تجاهل نتائج الانتخابات. وفرنسا مهددة بموجة من الإضرابات في الأول من تشرين الأول المقبل، والتي تم الإعلان عنها بالفعل مع الدعوة لتظاهرات السبت.


تسمية رئيس الوزراء
وبعد محاولات عدة عين الرئيس الفرنسي ميشيل بارنييه رئيسا لوزراء فرنسا بعد أن تعهدت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان بدعمه، انطلاقا من أن الحكومة الجديدة ستكون خطوة أخرى على طريق اليمين المتطرف إلى السلطة، كما كان الحال في إيطاليا، مع فارق مهم جدا هو وجود معارضة يسارية قوية في فرنسا، مقابل يسار إيطالي مشتت. ورئيس الوزراء الجديد ديغولي مخضرم ويميني متشدد في عدائه لليسار، ويتبنى الكثير من المواقف التي تتوافق مع سياسات اليمين المتطرف (فاشيون جدد). وحصلت قائمته الانتخابية على 8 بالمائة فقط من أصوات الناخبين، محتلة الموقع الخامس.
وفي جولة الانتخابات الحاسمة رفض أيضًا فكرة "الجبهة الجمهورية" التي يتحد فيها ممثلو جميع الأحزاب الديمقراطية ضد اليمين المتطرف. ولهذا. اختار عدد غير قليل من الناخبين الجمهوريين التصويت لليمين المتطرف، أي أن أوساط من اليمين المحافظ لم تعد تعتبر اليمين المتطرف مرفوضا، بل تفضله على قوى الوسط من الخضر والديمقراطيين الاجتماعيين.
إضافة إلى ذلك، فإن بعض مواقف بارنييه، التي اتخذها في حملته للانتخابات الرئاسية عام 2022، مناسبة تماماً للتقارب مع معسكر لوبان، مثل اقتراح "وقفاً" للهجرة إلى الاتحاد الأوروبي لمدة تتراوح 3- 5 سنوات، والعودة إلى العمل بالخدمة الإلزامية ونشر الجيش في الأحياء التي زُعم أن الشرطة لا تستطيع السيطرة عليها، واقتصاديا يريد مواصلة سياسة ماكرون الليبرالية الجديدة. وردا على تعيينه، دعت ماريون ماريشال، ابنة أخت لوبان، رئيس الوزراء الجديد إلى تنفيذ وعوده السابقة. ومثل معظم السياسيين الجمهوريين، يؤيد بارنييه أيضًا الحفاظ على سن التقاعد الحالي (65 عامًا).
لقد مكن ماكرون اليمين المتطرف من أخذ زمام المبادرة مرة أخرى. ومع تعيين بارنييه كرئيس للوزراء، أصبح اليمين المتطرف الآن "صانع الملوك": فبدون دعمه أو على الأقل تسامحه مع رئيس الوزراء، لا يمكن للأخير النجاح في مهمته.

محادثات ماكرون - ولوبان
في الأسبوع الفات تشاور الرئيس مع زعيمة اليمين المتطرف لوبان للحصول على موافقتها قبل تشكيل حكومة يمين الوسط الجديدة. وهددت لوبان بسحب الثقة من المرشحين المحتملين الذين يمكن ان يتعاملوا مع يسار الوسط، ومع المحافظين المكروهين من قبل حزبها، مثل الاشتراكي برناند كازينوف. وأكدت لوبان لماكرون أنها لن تمنح ثقتها فورا للحكومة الجديدة. وفي الوقت نفسه، اشترطت احترام الحكومة الجديدة لأجندة حزبها وإرادة ناخبيه.
أراد ماكرون من الذهاب إلى انتخابات مبكرة أمرين أما أن يحقق حزبه أكثرية، ويشكل الحكومة مجددا، أو منح اليمين المتطرف فرصة الحكم، في عهده والعمل على احتوائه، ويبدو انه فشل في سعيه الأول، وحقق موضوعيا الاحتمال الثاني، فالحكومة الجديدة ستكون حليفة لماكرون، ولكنها تعتمد على مباركة اليمين المتطرف. إن ما تحقق حتى الآن يؤكد أن عملية دمج اليمين المتطرف في مؤسسات النظام السائد، ليس في فرنسا فقط، بل في الكثير من البلدان الأوربية جارية على قدم وساق، من قبل قوى اليمين التقليدي وتيارات في قوى الوسط التي تعهدت يوما بعزل اليمين المتطرف ومكافحته.

موقف اليسار
جاءت التظاهرات تأكيدا لموقف اليسار، الذي نجح في تشكيل الجبهة الشعبية الجديدة في وقت قصير جدا، واستطاع الفوز بالانتخابات، واتفق على برنامج متماسك، ومرشحة كفؤة لمنصب رئيس الحكومة. تقليديا. لقد قرر الرئيس منع اليسار من تشكيل الحكومة مدعوما بقوى اليمين التقليدي والمتطرف، لأن حكومة اليسار ستتبنى إلغاء "إصلاح" نظام التقاعد الماكروني، ً وزيادة الحد الأدنى للأجور إلى 1600، في سياق سياسة اجتماعية واقتصادية تبتعد عن أجندة الليبرالية الجديدة، وكذلك سياسة خارجية وأمنية مختلفة. منذ البداية دافع اليسار عن أصوات ناخبيه، وتمسك بحقه الديمقراطي، وأفشل إلى الآن محاولات ماكرون لشق صفوفه عبر استمالة الجناح اليميني في الحزب الاشتراكي.