احتجاجات غاضبة ضد التعاون بين اليمين المحافظ والنازيين الجدد في المانيا


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8242 - 2025 / 2 / 3 - 22:47
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة     

شهدت العديد من المدن الألمانية احتجاجات غاضبة على إثر التعاون البرلماني بين الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ، والمرشح للفوز بالانتخابات المبكرة، وحزب "البديل من أجل المانيا" اليميني المتطرف. وجاء هذا التعاون خلال التصويت على ثلاثة مشاريع قوانين طرحها زعيم الديمقراطي المسيحي ومرشحة لمنصب المستشار في الانتخابات المبكرة التي ستجري في 23 شباط. ومشاريع القوانين التي تم التصويت عليها يومي الأربعاء والجمعة الفائتين، والتي تهدف الى تضيق الخناق على طالبي اللجوء والمهاجرين في تناغم واضح مع سياسات اليمين المتطرف والنازيين الجدد. وجسد التعاون بين جناحي اليمين سابقة كسر بموجيها "جدار الحماية"، أي تحريم العمل المشترك مع قوى اليمين الشعبوي المتطرف، منذ الانتصار على النازية في 8 أيار 1945 وحتى يومنا هذا.

وشهدت المناقشات العامة استقطابا بين قوى معسكر المحافظ والليبرالي (جناحي الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الحزب الليبرالي الحر، حزب البديل من اجل المانيا، واتحاد سارا فاكنكشت المنشق من اليسار)، ومعسكر قوى الوسط واليسار (الديمقراطي الاجتماعي الحاكم وشريكه حزب الخضر، وحزب اليسار الألماني). وشهد البرلمان الألماني لأول مرة، منذ نهاية الحرب العالمي الثانية، تمرير مشروع، ذي طبيعة استشارية، بأكثرية 3 أصوات فقط، وبأصوات حزب البديل من أجل المانيا، الذي يعد امتدادا للنازية المنهارة. أما المشاريع الأخرى ذو الطبيعة الإجرائية فقد فشلت لتوفر أكثرية بالضد منها. ولكن يبقى التعاون مع اليمين المتطرف، وبالترابط مع التجربة التاريخية الألمانية، خطرا مباشر على "الديمقراطية" المعمول بها في البلاد. لقد تحولت الكلمة التي القتها رئيسة المجموعة البرلمانية لحزب اليسار هيايدي راشنيك الى "ترند" في وسائل التواصل الاجتماعي ووبلغت مشاهداتها الملايين.

غضب واسع
ونتيجة لذلك، شهدت مدن المانيا، يومي السبت والأحد، احتجاجات واسعة، وبلغ عدد المحتجين خلال أيام الجمعة والسبت والأحد أكثر من نصف مليون، منهم في مدينة هامبورغ 80 ألف (الشرطة تتحدث عن 65 ألف مشارك فقط)، و14 ألف في مدينة " إيسن"، وفي كولونيا شارك 40 ألف متظاهر، وشملت التظاهرات مدنا أخرى، مثل كارلسروه وشتوتغارت وبراونشفايغ وفورتسبورغ وأوغسبورغ وبريمن. وشهدت العاصمة برلين الأحد تظاهرة شارك فيها عشرات الآلاف، ووفق المعلن ستستمر الاحتجاجات حتى فترة الصمت الانتخابي التي تسبق يوم التصويت.

ولا ينحصر الغضب في الحركة الاحتجاجية، بل تنوعت أشكاله. لقد نددت منظمات حقوق الانسان ومنظمات الدفاع عن اللاجئين والمهاجرين والنقابات العمالية والكنائس، وحتى وسائل الإعلام التقليدية، بالانفتاح غير المسبوق على اليمين المتطرف. وشهد مؤتمر الحزب الديمقراطي المسيحي الانتخابي، الذي اقر برنامج الحزب الانتخابي، والذي عقد أمس الاثنين فوضى، بما في ذلك استقالات.

حزب اليسار والحركة الاحتجاجية
شاركت قوى اليسار السياسية والحركات الاجتماعية في الاحتجاجات، وكان أبرز المتحدثين في التجمع الختامي لتظاهرة كولون رئيس حزب اليسار يان فان آكين، وإحدى نائبات حزب الخضر، التي اكدت على ضرورة التمسك بعدم التعاون مع اليمين المتطرف في البرلمان الاتحادي وبرلمانات الولايات ومجالس البلديات، وتحدث أيضا وزير الصحة الألماني والقيادي في الحزب الديمقراطي الاجتماعي "لاوترباخ"، الذي شدد على عدم السماح لليمين المتطرف ان يقودنا للهاوية". وفي كلمته في التجمع، ركز الرئيس المشارك لحزب اليسار، على العلاقة بين الثروة والفاشية ودعا مرة أخرى إلى "إلغاء المليارديرات"، وفي مقابلة مع جريدة "نويز دويجلاند" بعد التظاهرة، أوضح رئيس حزب اليسار أن الأسبوع الفائت كان بمثابة "نقطة تحول في الديمقراطية الألمانية". وقال: "سنتذكر ذلك بعد 10 أو 20 عاما، أنه للمرة الأولى منذ أكثر من 90 عاما، حاول المحافظون تمرير قوانين مع اليمين المتطرف". و"لقد شهدنا تطبيع المواقف العنصرية منذ بضع سنوات حتى الآن. وإن الطريقة التي يتم بها الحديث عن المهاجرين اليوم لم يكن من الممكن تصورها قبل بضع سنوات". وقيم فان أكين الاحتجاجات الحالية بشكل إيجابي للغاية. لكنه يعتقد انها غير كافية: "علينا أن نعالج المشكلة من جذورها". لقد شجعت سياسات التقشف الليبرالية الجديدة في السنوات الأخيرة صعود الفاشية، وفي هذا السياق قال المرشح اليساري البارز: "حيثما تتراجع الدولة، يتقدم الفاشيون".

لقد شهدت تظاهرة كولون اهتماما من أوساط الشبيبة بالحوار مع رئيس حزب اليسار، والتقاط الصور التذكارية معه امام لافتات تحمل شعارات مناهضة للعنصرية. ويبدو ان ذلك ليس بعيدا عن النهوض الذي يشهده الحزب، ودوره المتميز في مناهضة النازيين الجدد، اذ يعتبر الحزب، أكثر الأحزاب الممثلة في البرلمان وضوحا وجرأة في مواجهة اليمين المتطرف. وتعليقا على ذلك قال يان فان آكن، هناك "حاجة كبيرة" لدى الشباب لتنظيم أنفسهم، واليسار يؤدي دور "رائع" الآن. قبل بضع سنوات لم يكن تصور ذلك ممكنا. ولكن الحاجة إلى التنظيم تأتي أيضاً من حقيقة مفادها أن العديد من الشباب يخافون من مستقبل مماثل ذلك الذي ينشأ الآن". ويعتقد يان فان أكين أن اليسار "يمكن أن يوفر الأمن". وان الحزب يجمع "الذين يريدون تغيير شيء ما، والذين لا يريدون قبول الطريقة التي تتطور بها الأمور حاليًا، فالمستقبل يُصنع في اليسار".