نجاحات المعارضة تجاوزت التوقعات.. اليمين العنصري الهندوسي يفقد الأغلبية المطلقة


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8003 - 2024 / 6 / 9 - 00:27
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية العامة في الهند التي جرت على مراحل، بنتائج مغايرة لتوقعات رئيس الوزراء الهندي «مودي» وحزبه حزب الشعب (بهاريتا جاناتا) اليميني العنصري، والتحالف الوطني الديمقراطي الحاكم الذي يقوده. توقع مودي ومستشاروه الفوز في الانتخابات العامة الثامنة عشرة بأغلبية ساحقة. وفي النهاية، لم يتحقق هدف الحصول على 400 مقعد على الأقل في البرلمان المؤلف من 543 مقعدًا. ولم يحصل حزب بهاراتيا جاناتا إلا على 240 مقعدا، بخسارة 63 مقعدا، مقارنة بالانتخابات السابقة، وحصل التحالف الحاكم مجتمعا على 293 مقعدا. وتحقيق الأغلبية الحكومية، يحتاج مودي الى 272 مقعدا، أي ان حزبه سيحتاج دعم حلفائه. وفي حال تمكن مودي من تشكيل الحكومة الجديدة، فان مودي سيقود الحكومة الاتحادية للمرة الثالثة، بعد انتخابات 2014، وانتخابات 2019.

قراءة متناقضة للنتائج
مودي لم يحقق الأغلبية المطلقة، في حين حصل تحالف «الهند المعارض، بزعامة حزب المؤتمر الهندي على 234 مقعدًا، مقابل 80 مقعدا في الانتخابات السابقة. وهو تحالف يضم عشرين حزباً إقليمياً ليبرالياً ويسارياً مؤثراً تأسس قبل عام تقريباً، فقد كان أداؤه أفضل كثيراً من كل التوقعات تقريباً. لم يكن حزب المؤتمر التقليدي، الذي ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالنضال من أجل الاستقلال في شبه القارة الهندية في ذلك الوقت، هو الوحيد الذي خرج من أدنى مستويات البؤس التي دامت عشر سنوات منذ خسارته السلطة في عام 2014 ويمكنه الآن، مرة أخرى، تقديم نفسه بثقة كحزب والقوة الوطنية الثانية إلى جانب حزب بهاراتيا جاناتا. بالإضافة الى ذلك، تكبد حزب رئيس الوزراء خسائر في قلاعه الأساسية في شمال وغرب الهند. وأدت نتائج الانتخابات إلى رد فعل متناقض: حافظ مودي على موقع الصدارة، ولكن عدم تحقيقه الأغلبية المطلقة، جعل أنصاره يتعاملون مع النصر على أنه هزيمة. ولم تحصل المعارضة على أغلبية، لكنها تعاملت مع الخسارة الحسابية على أنها نصر، لأنها نجحت في تحقيق زيادة كبيرة بعدد مقاعدها البرلمانية، وفرضت التراجع على منافس خطير، ومع إعلان النتائج الأولية تباعا الثلاثاء الفائت، احتفل كل من حزب بهاراتيا جاناتا، وحزب المؤتمر بنجاحهما. والأمر المهم هنا هو الإحباط الذي يسود أنصار الحزب الحاكم.

الديمقراطية الأكبر في العالم
إن الحجم الهائل للانتخابات الهندية يجعل التحليل السريع أمراً مستحيلاً. تم إجراء التصويت على سبع مراحل في الفترة من 19 نيسان - 1 حزيران. وتم طبع 968 مليون بطاقة ناخب. وأدلى 642 مليون ناخب بأصواتهم، أي حوالي ثلثي الناخبين المؤهلين. وبلغت نسبة النساء المشاركات في التصويت 50 في المائة، وهي النسبة الاكبر في انتخابات عامة. وعلى الرغم من موجة الحر القياسية، التي سيطرت على الهند لأسابيع، وبلغت درجة الحرارة أكثر من 50 درجة مئوية في العاصمة دلهي وتوفي حوالي 30 من العاملين في إدارة الانتخابات بسبب الحرارة، إلا أن الناس توافدوا عمومًا بأعداد كبيرة إلى مراكز الاقتراع.

في انتخابات 2019، تحدث أنصار مودي عن «موجة مودي». لقد فاز حينها بمقعده في فاراناسي بولاية أوتار براديش بفارق 450 ألف صوت، عن أقرب منافسيه. في هذه المرة كان الفارق 150 ألف صوت فقط. وفي مدينة أيوديا، التابعة للولاية أيضًا، بذل مودي جهودًا هائلة لبناء معبد رام هندوسي جديد. ومع ذلك، خسر مرشح حزب بهاراتيا جاناتا المحلي أمام خصمه من حزب ساماجوادي المحلي بفارق 54 ألف صوت. وخسر 15 عضوا بالحكومة مقاعدهم. وكل واحدة من هذه الهزائم تمثل ضربة موجعة لهيبة مودي.

واقع اقتصادي صعب
يشهد الاقتصاد الهندي عموما نمواً مرتفعاً. ولكن ليس هناك عدالة في التوزيع. ووفقا لمعطيات «مركز مراقبة الاقتصاد الهندي»، بلغ معدل البطالة بين الشباب 45,4 في المائة في سنوات 2022-2023، أي أعلى بست مرات من المعدل العام البالغ 7,5 في المائة. ويعمل قرابة 50 في المائة من الشباب بأعمال غير مستقرة او يعانون البطالة، هذا يعني إن أكثر من نصف الأسر تعاني من هذا الواقع. ووفقاً لدراسة استقصائية أجرتها وكالة «السياسة العامة» ومركز دراسة المجتمعات النامية في منتصف نيسان الفائت، أكد ثلثا المشاركين في الاستطلاع أن أهم المشاكل مرتبطة بسياسة التشغيل وارتفاع التضخم. مرشحو حزب بهاراتيا جاناتا الذين ركزوا على ملفات التعصب الديني إما خسروا أو فازوا بهامش أصغر. ولكن على الرغم من أولوية القضايا الاقتصادية والاجتماعية، فإن مكاسب المعارضة بقيت محدودة.

عودة اليسار
سيبقى مودي رئيساً للوزراء، لكنه لا يتمتع بالتفويض الذي أراده. ويعود اليسار الجذري إلى البرلمان الاتحادي، بعد غياب طويل بمجموعة صغيرة، لكنها تضم قادة مهمون في حركة الفلاحين، التي يلعب الحزبان الشيوعيان في الهند دورا محوريا فيها، منهم عمرا رام من الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي). لقد فُتحت نافذة يمكن لليسار من خلالها مكافحة تآكل المؤسسات الديمقراطية. وهذا يوفر للمعارضة والحركات الاجتماعية فرصة هائلة. وبينما يتحدث رام باسم سكان الريف في البرلمان، يستمر الفلاحون في التظاهر من أجل حقوقهم وحقوق العمال.