القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٥
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن
-
العدد: 7522 - 2023 / 2 / 14 - 12:44
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٥
فَبِما نَقضِهِم مّيثاقَهُم وَكُفرِهِم بِآياتِ اللهِ وَقَتلِهِمُ الأَنبياءَ بِغَيرِ حَقًّ وَّقَولِهِم قُلوبُنا غُلفٌ مبَل طَبَعَ اللهُ عَلَيها بِكُفرِهِم فَلا يُؤمِنونَ إِلّا قَليلًا (١٥٥) وَبِكُفرِهِم وَقَولِهِم عَلى مَريَمَ بُهتانًا عَظيمًا (١٥٦) وَقَولِهِم إِنّا قَتَلنَا المَسيحَ عيسَى ابنَ مَريَمَ رَسولَ اللهِ وَما قَتَلوهُ وَما صَلَبوهُ وَلـاـكِن شُبِّهَ لَهُم وَإِنَّ الَّذينَ اختَلَفوا فيهِ لَفي شَكٍّ مِّنهُ ما لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّن وَّما قَتَلوهُ يَقينًا (١٥٧) بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيهِ وَكانَ اللهُ عَزيزًا حَكيمًا (١٥٨)
وتواصل هذه الآيات الأربع سرد مساوئ اليهود، أو بني إسرائيل، فتتحدث عن نَقضِهِم مّيثاقَهُم، وَكُفرِهِم أي عدم تصديقهم بِآياتِ اللهِ، وَقَتلِهِمُ المُدَّعى لِلأَنبياء، وكذلك قَولِهِم عَلى مَريَمَ أنها إنما حملت بعيسى من جراء ممارسة جنسية غير شرعية مع رجل، يقولون إنه يوسف النجار، وَكذلك قَولِهِم إِنّهم قَتَلوا المَسيحَ بينما يؤكد القرآن أنهم ما قَتَلوهُ وَما صَلَبوهُ، ولكن شُبِّهَ لهم، وأن الله قد رَفَعَهُ إِلَيهِ. أما نقض ميثاق الله،فلا نعرف أي ميثاق، ومَن مِن أجدادهم من قطع على نفسه هذا الميثاق. أما بقية الأمور فليسوا وحدهم الذين انفردوا في عدم التصديق بقصص المعجزات المسماة بالآيات، وفي عدم ترجيح أن تكون مريم قد حملت بولدها عيسى من غير ممارسة جنسية، مما لا يعد بالضرورة جريمة، إلا وفق أحكام الأديان وأعراف ذلك الزمان. فالذين لا يؤمنون بما قصت علينا الأديان، لا يجب ان يكونوا سيئين أو أشرارا، بل الكثير منهم من هم أطيبُ وأصلحُ وخَيرٌ من الكثيرين من أتباع الأديان على اختلافها، والمصدقين لما روت لهم كتبهم المقدسة حسب ظنهم.
وَإِن مِّن أَهلِ الكِتابِ إِلّا لَيُؤمِنَنَّ بِهِ قَبلَ مَوتِهِ وَيَومَ القِيامَةِ يَكونُ عَلَيهِم شَهيدًا (١٥٩)
لا يعد إعجازا أن يتوقع مؤلف القرآن إن من أهل الكتاب، من سيتحول إلى الإسلام، فظاهرة التحول من دين إلى دين، ومن مذهب إلى مذهب داخل نفس الدين، متوقعة، وكانت تحصل دائما. لكنه جعل المتحول إلى الإسلام على حق بالضرورة، ومستحقا أن يجعله الله شاهدا على أتباع دينه السابق، لأنه كما يفترض الدين الذي يعتقد أنه وحده يمثل الحق، غدا حجة على أتباع دينه، الذين لم يحذو حذوه، فينتقلوا إلى الدين الحق، كما فعل هو.
فَبِظُلمٍ مِّنَ الَّذينَ هادوا حَرَّمنا عَلَيهِم طَيِّباتٍ أُحِلَّت لَهُم وَبِصَدِّهِم عَن سَبيلِ اللهِ كَثيرًا (١٦٠) وَأَخذِهِمُ الرِّبا وَقَد نُهوا عَنهُ وَأَكلِهِم أَموالَ النّاسِ بِالباطِلِ وَأَعتَدنا لِلكافِرينَ مِنهُم عَذابًا أَليمًا (١٦١)
من الصعب أن نفهم ما هي الحكمة من معاقبة أتباع دين ما بسبب ممارساتهم الظالمة وصدهم كما يعبر عن سبيل الله، أن ينزل عليهم حكما شرعيا، يحرم عليهم بعض ما لذ وطاب لهم، رغم عدم وجود أي مبرر للتحريم، إلا أن يكون على سبيل العقاب الدنيوي. وهنا يذكر القرآن أمثلة، كما ذكر في مواقع أخرى أمثلة غيرها، على مخالفاتهم، مثل أخذهم الربا الفاحش والمجحف وغير المنصف، مستغلين الذين يكونون مضطرين للاقتراض منهم، وكذلك تجاوزهم على أموال الناس من شركائهم في العمل التجاري أو شركائهم في الإرث بغير حق. مع العلم إن المسلمين، وبالذات أولئك المؤمنين إيمانا عميقا بالإسلام، والملتزمين التزاما دقيقا بأحكامه، نجدهم أكلوا أموال شعوبهم وقوت فقرائهم، عندما أمسكوا بالسلطة. من هنا هل نعقل إنهوبما أن الله علم أنهم سيسلكون نفس السلوك كالذين من قبلهم، أنزل عليهم أحكاما شرعية كعقوبات دنيوية استباقية، كالانتهاء عن أكل لحم الخنزير، الذي هو لحم لذيد، تماما كلحم الغنم والبقر، ولعله ألذ من لحم بعض الأنعام المحللة؟ لكن إذا كان الأمر كذلك، فهذه عقوبة رقيقة جدا تجاه الذين يأكلون أموال شعوبهم أو أموال شركائهم في الإرث، أو شركائهم في التجارة أو الزراعة أو الصناعة، أو غيرها.
لـاـكِنِ الرّاسِخونَ فِي العِلمِ مِنهُم وَالمُؤمِنونَ يُؤمِنونَ بِما أُنزِلَ إِلَيكَ وَما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ وَالمُقيمينَ الصَّلاةَ وَالمُؤتونَ الزَّكاةَ وَالمُؤمِنونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ أُلـاـئِكَ سَنُؤتيهِم أَجرًا عَظيمًا (١٦٢)
لا يسعنا إلا المرور على الخطأ النحوي الفاضح، في كتاب يعتقد المؤمنون به أنه من تأليف الله، وبالتالي فهو معجز ومعصوم من الخطأ، فنجد كلمة «الراسخون» جاءت مرفوعة لأن «لكنْ» المخففة ليست عاملة، ولذا يأتي ما بعدها مرفوعا، وهكذا «المؤمنون» معطوفة على «الراسخون»، ولكن فجأة ينسى المؤلف أنه استخدم «لكنْ» المخففة غير العاملة وبالتالي غير الناصبة، فينصب «المقيمين»، ويعود ليرفع «المؤتون» وبعدها «المؤمنون». وحالات الوقوع في الخطأ النحوي عديدة في القرآن، مما يدل فيما يدل على بشرية هذا الكتاب. ويمكن التصور إنه بعدما يتلو الآية، التي أوحاها إليه جبريل، ويكتشف بعدها الخطأ الذي ورد فيها، يتركها بلا تصحيح، خشية أن التصحيح سيثير الشك بكون ما أوحي إليه هو كلام الله حقا، ولذا خير له أن يترك النص بخطأه ليترك لمن بعده يبررون هذا الخطأ، ويجعلونه صحيحا، وفق منهج ليّ قواعد النحو، لتكون القواعد محكومة بالنص وليس العكس/ كمت=ا ينبغي، كأن يقال في مثل هذه الحالات، إن «المقيمين» جاءت حالا مما لا يقنع العارف بالحد الأدنى بقواعد النحو للغة العربية، إلا من يحرم على نفسه الشك في كلام الله المفترض أو المعتقد منه.
المهم إن الآية، وحيث إنه كان الكلام فييما سبقها عن أهل الكتاب، أن الراسخين في العلم من ايهود والمسيحيين يعلمون أن ما أنزل على محمد هو الحق من ربه، ومن هؤلاء الراسخين في العلم المفترضين، منهم من يتحول إلى الإسلام، ومنهم من يكابر ويبقى رافضا لهذا الدين تعصبا منه، رغم يقينه بأنه دين الله الحق. ثم تعد الآية هؤلاء، وبالتأكيد تعني الفريق الأول الذي يترك دينه ويعتنق الإسلام، وعموم المسلمين المُقيمينَ الصَّلاةَ وَالمُؤتينَ الزَّكاةَ وَالمُؤمِنينَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، أن الله سيؤتيهم أجرا عظيما.