مع زهير كاظم عبود في إدانة جريمة حرق القرآن ٣/٣
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن
-
العدد: 7665 - 2023 / 7 / 7 - 14:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مع زهير كاظم عبود في إدانة جريمة حرق القرآن ٣/٣
ثم يكتب القاضي عبود: “قبل فترة زمنية أقدم شخص دنماركي الجنسية استغلال مملكة السويد ليقوم بتمزيق وحرق المصحف خارج المسجد الرئيسي في العاصمة ستوكهولم تحت حماية وحراسة الشرطة، لم يقدم على ارتكاب هذا الفعل في الدنمارك إنما حضر إلى السويد، وقبل أيام أيضا أقدم شخص آخر مغمور زعم أنه عراقي ولأسباب تنم عن تدنٍّ في الخلق والتربية وطلبا للشهرة وطريقة الوصول إلى الحصول على الحماية والإقامة على عملية حرق القرآن وتمزيقه علنا، والحقيقة إن سلطات الشرطة السويدية كانت قد قررت عدم السماح لممارسة مثل هذا الفعل لما يولده من استياء ومشاعر السخط والتحدي لدى جمهور كبير من السويديين المسلمين أو المسلمين بشكل عام، إلا أن محكمة الاستئناف السويدية نقضت قرار الشرطة وأعلنت بقرار السماح بإجراء الممارسة المذكورة تحت زعم وذريعة الحريات التي يتمتع بها المواطن السويدي.»
[في الوقت الذي ندين ونستنكر هذا العمل، أقول لو كان شخص أورپي ما قد أحرق الإنجيل، فبالتأكيد لن تكون هناك أي ضجة حول ذلك، لكن لو فعل شخص ما مثل هذا العمل مع التوراة، لكانت الضجة أضعاف ضجة المسلمين، من قبل الجمهور المسيحي في الغرب، ومعه اليهود والمؤسسات اليهودية، ولكانت الضجة أيضا على صعيد كل الدول الغربية حكومات وبرلمانات، ولاعتبر ذلك من قبيل معاداة السامية المحرمة، حتى لو عرف عن الفاعل عدم تبنيه لما يسمونه معاداة السامية، أو لنقل معاداة اليهود، الذي ندينه أيضا أشد الإدانة كليبراليين، بمقدار إدانتنا لسياسات الحكومات الإسرائيلية القائمة على مبدأ الفصل العنصري. وهنا وبوصفي أورپي الهوى، لا بد لي أن أقول هنا بالذات ما زالت أورپا تمارس ازدواجية المعايير، ولا تميز بين إدانة ممارسات الحكومات الإسرئيلية وبين معاداة السامية أو معاداة اليهود، فنحن شعوب كان اليهود يمثلون شريحة مهمة من مجتمعاتنا، لهم علاقاتهم الاجتماعية والتجارية مع المسلمين وغيرهم، ومنهم من تبوأ مناصب سياسية مهمة، أثبت من خلالها وطنيته، وما زال اليهود ذوو الجذور العراقية على سبيل المثال في إسرائيل يحنون إلى العراق ويعتزون بالتراث العراقي ويحيونه على صعيد الموسيقى والغناء وعلى صعيد المطبخ العراقي.
«ومملكة السويد التي ينص دستورها على تقديس الحريات الشخصية يمنح أيضا الحرية كاملة لأتباع أي ديانة أو مذهب، ويوفر لها الظروف اللازمة لممارسة الشعائر والطقوس، ونفس الالتزامات لا توفر حقا للمواطن التدخل في أديان الآخرين أو مراقبتهم أو خرق حقوق الإنسان بحجة حرية اعتناق الدين وعدم إجبار الأطفال على اعتناق ديانة والديهم وتمكينهم من الاختيار والموقف، وعدم إجبار أي مواطن على اعتناق أي ديانة.»
[في نفس الوقت نجد أن نسبة كبيرة جدا، ولا يجب أن تمثل الأكثرية من المسلمين في هذه البلدان التي أصبحوا مواطنين فيها، ولغاية الجيل الرابع، يرفضون كليا الاندماج في هذه المجتمعات ويشعرون بكونهم مسلمين بالدرجة الأولى ثم مواطنين لتلك البلدان، بل بعضهم حتى لا يشعر بشعور المواطنة، ويحاولون فرض ثقافتهم الإسلامية على تلك المجتمعات، أينما وقدر ما استطاعوا ذلك، وبأقصى قدر يستطيعون تحقيقه، علاوة على أن الكثير من مساجدهم تلعن شعوب تلك الدول (الكافرة).]
«الأساس القانوني الذي تستند عليه محكمة الاستئناف السويدية هش وينتابه الخلل، حين فسرت نصوص الحرية الشخصية بالشكل الذي أساء للشعب السويدي المسالم ولقيم الديمقراطية والتسامح والحياد التي اشتهرت بها السويد، وبدلا من إعلاء قيم حقوق الإنسان ونصوص الحريات التي وردت في الدستور السويدي.»
[وهنا أتفق كليا مع القاضي زهير كاظم عبود، وهو العارف بالقانون العراقي والسويدي على حد سواء، لكني لا أتتفق فيما يتبناه وتتبناه كل الدول الديمقراطية وما يتبناه عندنا العلمانيون المعتدلون أي غير المعادين للدين، ولاسيما الليبراليون. نعم أنا أتفق مع هذا على مستوى الواقع الراهن وإلى أجل غير معلوم، وليس على مستوى المبدأ، ذلك لأن واقع المنتمين إلى الأديان واقع كبير جدا يبلغ عدة مليارات من سكنة كوكبنا، ولكني يمكن أن أتوقع إن هذه الرؤية ستتغير بعد مئتي سنة أو خمسمئة سنة بعد صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة ١٩٤٨، فيكون الموقف عام ٢١٤٨ أو ٢٢٤٨ أو ربما ٢٤٤٨، أو حتى لو كان ذلك عام ٢٩٤٨، عندما يكون أتباع الديانات المؤمنين بها - ولو على سبيل الافتراض وبالنسبة لي فعلى سبيل التوقع - يمثلون أقلية ضئية في العالم، لكن تبقى حقوقهم وحريتهم الدينية كشأن شخصي حصرا محفوظة، لكن من المحتمل أن يمنع عندئذ التداول العلني والتلاوة العلنية لكتبهم المقدسة، أو لتلك النصوص منها، إذا ثبت أنها تتقاطع مع الحريات العامة والحريات الشخصية ومبادئ حقوق الإنسان ومبدأ المساواة كمساواة المرأة بالرجل، ورفض العبودية والاسترقاق، التي تقول الكتب الإبراهيمة الثلاثة بشرعيتها.]
«ولما كانت السويد بلدا يحرص على تجنب ارتكاب جرائم الكراهية، وعلى سبيل المثال فإن الإساءة إلى الديانات بأي شكل كان بشكل بعيد عن النقد أو النقاش أو المحاورة، فإن إقدام أشخاص على ارتكاب جرائم كراهية ضد أعداد ليست قليلة من أبناء السويد المسلمين يعد فتحا لثغرة في جدار التسامح والسلام والمحبة والتعايش السلمي، وإثارة لنعرات الكراهية التي لا يمكن للسويد أن تقبلها تحت ذريعة الحريات الشخصية، وما أقدمت عليه محكمة الاستئناف السويدية قاصر وينم عن قصور في فهم نصوص حماية الحرية وما يوفره الدستور السويدي من التزام بالديمقراطية والتصدي لجرائم الكراهية والاستفزاز والتحدي بعيدا عن مصالح السويد وعلاقاتها السياسية والاقتصادية المبنية على المشاركة والالتزام بحقوق الإنسان.»
[أتفق كليا مع القاضي عبود في هذا المقطع وغيره، وذلك بلحاظ الواقع، لا بلحاظ الالتزام المبدئي بمفاهيمنا العلمانية المعتدلة وغير المعادية للأديان ومفاهيمنا في الليبرالية والحداثة، فهذا سيبقى معتمدا خلال هذا القرن على أقل تقدير، ولا أعلم لكم من القرون بعده.]
وأخيرا لا بد لي أن أشير إلى أني لم أتناول كامل مقالة الأستاذ زهير كاظم عبود، بل اخترت مقاطع منها، وأقدم له شكري غير المحدود لمقالته المهمة جدا.
٠٥/٠٧/٢٠٢٣