حقيقة معركة بدر من نصوص القرآن الكريم


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 8066 - 2024 / 8 / 11 - 12:22
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

المحور التاريخي الذي يدور على ما حدث في معركتي بدر وما بعدها معركة أحد وقد بينا كل ذلك في التدبر بشكل عام وخاص، لكن هنا نود أن نطرح مجموعة من الحقائق التي لم يلتفت لها الكثير من الناس، ومنها ما هو تشويه لسيرة الرسول ومنها ما هو تزيف للحقائق القصد منها تشويه الرسالة، من الشائع عند المسلمين أن معركة بدر وأحد وكل المعارك التي خاضها الرسول ص والمسلمين كانوا مرغمين على خوضها، ولم يكن أيها منها خيارا من خيارات الرسول التي امره الله أن يدعو لدينه بالحسنى، وأمره بالسلام وعدم الأعتداء وعدم المباشرة بالقتل وحاورهم وجادلهم بالتي هي أحسن، وسميت تلك المعارك الدفاعية باسم غزوات الرسول مثل "غزوة بدر" و "غزوة أحد"، وما كان محمدا ص لا غازيا ولا معتديا ولا طالب قتال.
معركة بدر
تُعد معركة بدر أول صدام مسلح وقتال مباشر بين المسلمين وأعدائهم وتعد من معارك الإسلام الفاصلة، وسُميت بذلك الاسم نسبة إلى منطقة بدر التي وقعت المعركة فيها، وبدر بئر مشهورة تقع في طريق القوافل بين مكة والمدينة المنورة، وقعت في السابع عشر من رمضان في العام الثاني من إخراج النبي محمد ص من قريته مرغما (الموافق 13 مارس 624 م)، ويقال وحسب الروايات التأريخية التي كتبت لاحقا بعد عهد النبي ص أن السبب الرئيسي لوقوع معركة بدر يعود إلى سماع النبي ص بقدوم قافلة لكفار قريش من الشام يقودها أبو سفيان، محمَّلة بالبضائع والنقود فطلب رسول الله ص من مجموعة من المسلمين أن يذهبوا لأخذ هذه القافلة، بدلاً من القافلة التي استولى عليها كفار قريش من المسلمين عندما هاجروا من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، أو تعويضا عن أموال المهجرين والمطرودين والمخرجين من مكة بيد قريش، ولو أني لا أميل ولا أصدق هذا الزعم لمخالفته ما ورد في السورة من أسباب منها وصف المسلمين بالأذلة {وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ}، فكيف يكونا أذلة وهم يريدون أن يقطعوا الطريق ويسلبوا قوافل قريش منهم وهم لا يملكون وحسب الروايات إلا فرسين فقط.
بعيدا عن الرواية التاريخية التي لا مصداق لها مع كلام الله وحديثه ولا مع ما ورد في هذه السورة من سرد لأسبابها، والتي تمثلت بتحريض يهود المدينة لقريش للقدوم للمدينة وأستئصال شأفة المسلمين عندما يضعونهم بين سيوف قريش وغدر اليهود من ورائهم، ليقضوا عليهم قضاء مبرما، فلعبت الأماني برأس قريش وزعمائها حتى علم الرسول بما يجري وقد بين الله له نواياهم {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ}، لذا أمر الله رسوله ص بأن يصبر على الأمر حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا {وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ }، ومن جملة ما أخبرنا الله به بهذه السورة قوله للنبي تحديدا {وَإِذۡ غَدَوۡتَ مِنۡ أَهۡلِكَ تُبَوِّئُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ مَقَٰعِدَ لِلۡقِتَالِۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، فالمسلمون ومن تشاورهم مع الرسول بعدما علموا بمخطط قريش واليهود قرروا أن يكمنوا عند بدر، وبدر بئر ماء لا بد من مرور المشركين عليه للتزود منه وأيضا كمحطة أستراحة.
كانت الخطة التي أشار فيها المسلمون على النبي محمد ص هي أولا منع وصول المشركين للمدينة حتى لا يكونوا بين مطرقة قريش وكماشة اليهود فلا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم من جبهتين، النقطة الأخرى السيطرة على البئر والدفاع عنها هو مفتاح مهم في كسب المعركة، وبقدر ما ينجحوا في منع قريش من الماء فيعوض هذا نقصهم العددي وفي العدة ويضع الخصم في ورطة لا مفر منها، ومع مدد الله وتطبيق الخطة تم نصر الله المؤزر، وبان الفوز والفرقان الذي هو من رضوان الله على المسلمين الذين اطاعوا الله ورسوله بحق {وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ}، هذه هي وقائع معركة بدر، فلم يغزوا النبي قريش ولم يعتدي على أحد ولم يرتكب عملا لا أخلاقيا من أعمال الجاهلية، وإنما كل ما ورد في تاريخ المسلمين استكتبه القوم من روايات كاذبة وتدليس وتشويه من أعداء الإسلام والمسلمين، ليقولوا أن محمدا لم يكن إلا قاطع طريق، لا يتقيد بإيمان ولا يرتدع بأخلاق، مثله مثل أعراب الصحراء يغزو ويسلب ويقتل باسم الدين.
معركة أحد