لمذا سميت سورة يونس؟


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 8057 - 2024 / 8 / 2 - 20:47
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

سميت هذه السورة باسم نبي الله يونس والذي ورد في نص من آية في عذا المقطع منها، وقد أخرنا البحص عن التسمية لتتناسب مع تأخر ذكر المسمى عليه، فيونس من رسل الله من ذرية نوح وقد ذكر بهذا الأسم وأضاف له البغض أب هو متي بناء على ما جاء بالإسرائيليات من تسمية لا وجود لها في القرأن الكريم، وهناك أسم أخر ذكره القرآن وهو ذا النون { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، وسمي ذا النون كما يشاع في العربية (والنّونُ هو الحوت، وقد سُمِّي بذلك لالتقام الحوت إيّاه)، وهذه التسمية لا أصل لها في اللغة ولا أستعمل أحد كلمة النون للتدليل على الحوت لأن العرب لم تعرف الحوت وهم قبائل عاشت في الصحراء والحوت كائن بحري وفي المحيطات.
والصحيح أن ذا النون كلمة من مقطعين الأول ذا ويكون بمعنى هذا، ومن قول الله عز وجل {مَنْ ذا الذي يَشْفَع عِنده إلا بإذنه} أَي مَنْ هذ الذي يَشْفَع عِنده، وقد يكون ذا بمعنى الذي يقال فيه هذا ذا صَلاحٍ ورأَيتُ هذا ذا صَلاحٍ ومررت بهذا ذي صَلاحٍ، ومعناه كله الذي يتميز بالصلاح، وقيل ذا اسمُ كلِّ مُشارٍ إليه مُعايَنٍ يراه المتكل والمخاطب، قال والاسم فيها الذال وحدها مفتوحة، وقالوا الذال وحدها هي الاسم المشار إليه، وهو اسم مبهم لا يُعرَف ما هو حتى يُفَسِّر ما بعده، أما النون وبعد الرجوع لقواميس ومعاجم اللغة نجد أن لفظ النون له معان عدة، فهي أما يقصد بها (شَفْرَةُ السَّيْف) وتقال للقياس على حدية وأستقامة وثقافة الشخص من أنه مثل النون أي مثل حد السيف، أو هو (الدَّواةُ والجمع أَنْوَان، ونِينَانٌ) وما يعزز هذا ويؤكده أن القرآن الكريم أستخدم هذا المعنى مقرونا بالقلم { ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}، وهذا ما يرجح المعنى، فذا النون هو صاحب الدواة أي الكاتب.
وهناك رأي ثالث من خلال الجذر اللغوي للكلمة يشير لمعنى أخر مختلف كليا عما سبق، وهو أن النون (نوَّنَ ينوِّن ، تنوينًا ، فهو مُنوِّن ، والمفعول مُنوَّن) والمنون هو كثير الأماني أو المتمني، ومن قراءة قصة النبي يونس يمكن ربط التسمية بما كان يتمناه لقومه من خير، فقد بغثه الله لقومه {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين}، فلم يكن قومه يصدقون دعوته حتى ما جرى له من حدث فصلته الآيات فقد خرج غضبانا منهم لأجل الله وفي سبيله بعد أن دعاهم لما يحييهم { وذا النون إذ ذهب مغاضبا}، ويتوهم البعض من تكملة الله فيقولون أن يونس النبي كان يظن أن الله غير قادر عليه، وهذا خلاف الواقع والمعتقد فكيف يكون الرسول والنبي يظن أن الله غير قادر عليه في الوقت الذي يبشر فيه أن الله قادر على كل شيء قدير.
والحقيقة أن حرف الهاء الضمير المتصل في عليه لا يعود ليونس وإنما يعود للأمر الذي أرسل من أجله، أي أن يونس ظن أنه غير قادر على تنفيذ أمر الله في قومه فخرج مغاضبا وهو الأمر الذي يستقيم مع النص {فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين}، هذا الخلق النبوي الكريم هو الذي نجى يونس ونجى قومه ونفعهم بعد أن حدث ما حدث له في الحوت أي السفينة التي ركبها عندما خرج مغاضبا، ولا هناك أي حوت ولا بحر في القصة بل كل الأمر كان عن كنى أراد الله بها أن يظهر حقيقة أنه بالغ أمره ولو كره الكافرون، فالسفينة كانت تقل أفراد في السطح ومؤن في بطنها وكان لا بد من أشخاص يعملون في الداخل، فوقع السهم عليه بما أختار لحين الوصول ويبعثون من السفينة، فتحكمت وأنقذ الله سيدنا يوسف بلطف منه ليريه جواب دعاءه { فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} وكان الجواب { فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين}، ليكون الأمر قانون وقاعدة لكل المؤمنين، ثم عاد لقريته وأمن به قومه فنفعته التجربة كما نفع قومه إيمانهم الذي كان من إيمان نبيهم العميق بالله.
هذا الأمر الذي خص به قوم يونس من دون كل الأقوام والأمم التي بعص لها رسل تؤكد خصيصة علمية معروفة اليوم، وهي أن الإيمان الناتج عن تجربة عملية مشهودة مع لطف الله تجعل الإنسان على قدر التجربة ومستجيبا لها، لأنه أمن عن يقين ملموس لذا فليس كل رسالة تتخذ نفس الطريق هذا فلو أراد الله أن يجعل الناس تؤمن بالقهر لم يحتاج رسل ولا أنبياء ولا تدخل منه في الكثير من القضايا، إنما يريد إيمانا عن يقين وقناعة وإيمان مع دلائل الوجود وآيات الله التي تدفع الإنسان للتفكير والقناعة {فَلَوۡلَا كَانَتۡ قَرۡيَةٌ ءَامَنَتۡ فَنَفَعَهَآ إِيمَٰنُهَآ إِلَّا قَوۡمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُواْ كَشَفۡنَا عَنۡهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَتَّعۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ حِينٖ (98) وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَأٓمَنَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِيعًاۚ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تُؤۡمِنَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَيَجۡعَلُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ (100)}.