صور النفس الكاسبة في القرأن


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 8256 - 2025 / 2 / 17 - 21:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

النفس أمارة أي أمرة ناهية والأمر والنهي لا يصدر إلا من مسئول لا من جاهل ولذلك كانت هي مدار السؤال في اليوم الأخر {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }البقرة281,فالمسؤل يجب أن يكون مدرك للسؤال قادر على الإجابة وقبلها مخاطب بالتكليف قابل له وبه أو رافض له عن علم وهذا من مفهوم الآيات الآنفات الذكر ولكن .
كيف تكون النفس مطمئنة أو تكون لوامة أو أمارة بالسوء هذا يعتمد على قدرة العقل الذي يسيطر بالمفترض على النفس وقدرته على التحكم بها وتوجيهها فان افلح أن يمسكها ويسوقها إلى طاعة التكاليف ونهى النفس عن الزيغ والهوى فقد فازت ونجت, وأما إن غلبت النفس على العقل وتمردت فقد ضاعت وأضاعت العقل وبالتالي أضاعت صاحبها إلى مجاهل العصيان والكفر والضلال {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ }آل عمران30 .
أما نهي النفس وضبطها فله مقدمات أولها الرحمة الإلهية وحسن التربية والتعلم والتذكير والنصيحة وجهاد النفس والخوف من الله فان الله يقول{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى }النازعات40 ,فالجنة هي المأوى وهي النتيجة وهي الغاية من الخلق والله يعدل بين النفوس{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ }المدثر38 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }الحشر18.
من التدقيق الجيد وفهم كلمة نفس والبحث عنها وعن مفاهيمها في القران نجد أن النفس ليست إلا كما أسلفنا وأنها ليست إلا جزء ذو شخصية قد تكون مستقلة عن الجسد والروح والبدن وأيضا تعبر من جهة أخرى عن محدد فهمي كلي أي أنها تعني مرة أخرى محتوى شخصية اعتبارية ,أي إن النفس هنا هي الإنسان بكامل قوامه الروحي والمادي وليس هي جزء منه والدلائل كثر في كتاب الله تؤيد المنحى الذي نذكر منها إن الله وصف نفسه إذ قال{ وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ }آل عمران28 ,فهل لله تعالى نفس أمرة مثلا وإنما أراد بكلمة نفسه أي ذاته القدسية العلوية التي ليس مثلها شي ولا يدركها شي وهي تدرك الأشياء بالإحاطة التامة لها وكونها مالكة المخلوقات بقبضتها.
ويرد الدليل مرة أخرى في الكثير من الآيات التي تتعلق بنفس الإنسان {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }آل عمران93,النفس في المفهوم الأول هي القوة الفاعلة الغير محسوسة في الإنسان فان كانت كذلك فهل يمكن أن نتصور معنى لهذه الآية مع ما تقدم من وصف وهل يمكن أن نتصور إن النفس تأكل الطعام.
فالمدرك من الآية إن نفس إسرائيل هي ذاته المجسدة كبشر التي لها حاجة في الطعام وتحلل منه وتحرم حسب ما تعتقد الذات المادية الروحية المؤتلفة كانسان ,ويتكرر المفهوم بنفس المعنى ونفس الإشارة فان الجمع من البشر لهم أنفس متعددة حسب القول الأول أما مدلول الآية إن هناك نفس واحد بدليل قوله تعالى(من أنفسهم) أي من جنسهم ومن ذاتهم أو من صنفهم أو لونهم أو معتقدهم {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }آل عمران164 .
فالمعنى المدرك والمفهوم لا يتعلق بشي غير مجموع هؤلاء الأشخاص الذين من الله عليهم وهو وصف متعلق بأشياء مجسده لان البعث تعلق برسول مشابه لهم كبشر من فئة معينة يقوم بواجبات حسية مدركه وملموسة ومجسدة ماديا منها التلاوة والزكاة والعلم والتعليم فلا يعقل أن تأتي هذه الأوصاف الحسية من أشياء غير حسية ومثل ذلك نجده في قول الله انه كتب على نفسه والكتابة هنا كنية على التعهد وإلزام الذات الإلهية بالرحمة على العباد وعد غير مكذوب وليس كتابة مادية على شي لم ولن يليق بالذات الإلهية إذ تصورنا المعنى الأول {قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام12.
الملخص من القول إن النفس ما هي إلا الذات المتكاملة الواعية التي تحتوي البدن المادي والجسد الشكلي المصور للبدن والروح السائرة فيه مجهولة الماهية المادية للكثير وكل ذلك يكونوا المجموعة القابلة للتكليف والمستوعبة له بوجود العقل المميز لمن هو مالك له برحمة وتقدير رباني أما غير ذلك من المخلوقات في عالمنا فهي نفوس وأرواح وابدأن غير قابلة للتكليف وغير مسئولة عنه إلا بقدر ما انعم عليها الله من وعي وإدراك بسيط كالأنعام .