في معنى السياق التأريخي. ح3


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 8293 - 2025 / 3 / 26 - 00:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

يقول علماء اللغة وعلم النفس عن دور العامل النفسي في تكوين المنطق اللغوي عند الفرد والعلاقة الجدلية التي تربط بين اللغة وبين مكنون الشخصية (اللغة تحدد فهمنا للمكان والزمان والسببية وحتى طريقة التفكير)، هذا الرأي تقول به عالمة النفس البلاروسية برودويتسكي، ويضيف البعض (فكرة اللغة نشاط معبر عن محتوى نفسي مميز للفرد والمجموعة تجعلنا نقف لنعيد النظر في مفهومنا عن اللغة، ونسائل المفهوم التقليدي عن كونها مجرد مؤشر للأشياء في الخارج، إلى كونها عاملاً رئيساً في تحديد طبيعة المفاهيم وأنماط التعاملات بين الأفراد)، فعندما نقرأ نصا أدبيا أو قصيدة شعرية كتبت غي عصر ما قبل الإسلام مثلا نلاحظ الفرق في بناءها للمكان وصورتها البيئية ومفرداتها طبقا لمكان الشاعر ومعيشته ودرجة تسلسله الأجتماعي وحتى رؤيته المتصالحة أو المتناقضة مع المجتمع، ليس هذا فحسب بل تعبر عن رؤاه الدينية والفكرية حتى لو كانت قصيدة غزل مثلا، فعندما يذكر مفردات مثل الله والسماء والتمني والدعاء في مفردات القصيدة هذا يدل على نوع إيمانه ودرجته، لذا عندما نجد النص القرآني مثلا يذكر عن القوم الذين جاسوا الديار في إشارة لنهاية بني إسرائيل وصفهم بنص الآية بعبادنا {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا} ﴿٥ الإسراء﴾، هذا الوصف لم يكن خاليا من دلالة أن المبعوث عليهم قوم مؤمنين عابدين وليس كما تصفهم أدبيات بني إسرائيل كفار أو همج أو وصف أخر، المنتهى أن اللغة ومنطقها الفردي يعكس ماهية الشخصية أولا وتحمل أسرارها معا.
بالعودة للحديث عن ماهية الحديث النبوي كلغة أو نتاج لغوي نفسي بعيدا عن جانبه التاريخي أو الحدوثي وإن كان مرتبطا بالضرورة معه، فهو تعبير عن شخصية المتحدث وثقافته ورؤيته للمخاطب، إذا لا بد أن ندرس فيه ليس فقط السند والمتن لنجزم كونه صحيح أو ضعيف بل لا بدمن دراسة نمط اللغة الذي بني فيه الحديث مفردات التعبير ونسقيته وروحه الخفية، وكمفردات تفصح عن طريقة تقديم أسلوب العرض والهدف المباشر منه وأخيرا مقارنته بين أدب ونمط المعرفة البيئية التي نشأ فيها النبي وعلاقة كل ذلك في صياغة الحديث، إذا لا بد من الحديث عن نظرية اللغة بشكل أساسي لتقييم ما هو منسوب حقيقة للنبي محمد ص ويمثله فكريا ولغويا ونفسيا من المدسوس عليه، وهذا معيار علمي وعملي للفرز خاصة إذا ما تم تحليل الخطاب تحليلا تفصيليا وفق قواعد ومعايير علمية راسخه، قد لا تعطي نتائج في تمامية صدقها وجازمة مئة في المئة، ولكنها تشكل أساسا واضحا ومتينا وحقيقيا بدل اللجوء إلى معايير شخصية تتبع رأي الباحث ونظرته للأمور من زواياه الخاصة به وليس من زوايا الحديث والرواية.
فالعامل التاريخي إذا حاضر عندما ندرس نصا ما أو فكرة ولدت في زمان أخر له خصائصه وذاتيته لا بد أن نتجرد من راهنيتنا الزمنية الحالية، ونعود بالقراءة من منظور زمن الكلام أو النص بأستحضار روحية المجتمع أولا وقيمه التي دونت في التاريخ حتى يمكننا ملامسة هذا السياق المؤدي لوجوده سببا وعلة وضرورات وأهداف وربما أعمق من هذا وهو الحتمية التي كانت وراء النص والتي دعت الناص لقوله.