في معنى الحديث والرواية في الفكر السلفي التأريخي ج2


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 8276 - 2025 / 3 / 9 - 00:32
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

أن موقف الخليفة عثمان هذا مع المهدور دمه والطريد يجعل منه غير عادل وبالتالي غير مؤمن أصلا، لأنه حلل ما حرم رسول الله وعصى أمره وأمر الخليفتين من بعده، وهو من الذنوب الكبائر التي توجب التكفير وفقا لقياسات ابن حجر ومدرسته المحافظة، قال أبو بكر بن العربي رحمه الله في سياق حديثه عن عدالة الصحابة ونفي صفة الفسق عنهم من "العواصم من القواصم" ص 94 (وليست الذنوب مسقطةً للعدالة إذا وقعت منها التوبة)، فكيف يعد الكافر العاصي أمر رسول الله ص ومرتكب الكبيرة في أمر منافق وطريد ومحرم عليه أمرا من رسول الله، وقوله عندهم وحي لا ينطق عن الهوى فهو أمر من الله ومع ذلك يعد عادلا وثقة ويجوز الترضي عليه وله عصمة ويجوز الرواية عن قوله ليكون أمرا متعبدا به عند المسلمين، وباختصار ما عندهم يتجلى في (لا يشترط بالشخص حتى يكون صحابيا أن يكون مؤمنا حقيقة بالنبي بل يكفي أن يتظاهر بالإيمان وأن يموت على هذا الإيمان أو على هذا التظاهر به)، لأن النبي لا يعنى بالبواطن إنما يكلها إلى الله .
نعود للحديث من حيث هو "نص منقول بطريقة ما من زمن ما بصيغة ما ليقول قضية ما"، هذه القضية ربما تكون حكما يجب التعبد به إلزاميا وحسب النظرية التي يقول بها أنصار الحديث، بأعتبار أنها تقع تحت وصف {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ}،ومعنى هذا أن حاكمية نص الحديث وحكمه على إيمان الفرد المسلم مساوية تماما لحاكمية النص القرآني لأشتراكهما بخاصية أن مصدرهما الوحيد هو "الوحي"، وبناء على هذه النتيجة يمكننا أن نقول الآتي:.
• لماذا لم يأمر الرسول ص بكتابة أو حفظ وترتيل وحي الحديث كما أمر في حفظ وترتيل وحي القرآن؟
• ما العلة التي تفرق بين وحي القرآن ووحي الحديث والتفريق بينهما مع أنهما يحملان نفس القوة التشريعية؟ خاصة وأن الكثير من الوحي الحديثي قد راه فرد أو مجموعة قليلة من الأفراد على عكس وحي القرآن الذي كان شائعا بين المسلمين ويرددوه يوميا؟.
• إذا كان وحي الحديث هو من وحي الله ومكمل للنقص القرآني في التشريع فما العلة من نهي الرسول ص كتابته والقول الشائع عن الصحابة يكفينا كتاب الله؟ هل يعتبر من قال بهذا القول ناكرا لوحي الحديث؟ أم مفرطا بوحي الله لرسوله؟ وما هو حكم المفرط بأحكام الوحي والمانع من العمل بها أو تدوينها خاصة وأنه من أرفع درجات الصحابة؟*.
• إذا نسأل كيف يجمع الوحي بالحديث كمصنف تدويني مستقل وملزم بعد نهي الرسول ص عنه وعن تدوينه وما سايره الخليفتين الأوليين من بعده في ذلك، هل يعتبر تدوين هذا الوحي بعد نهي الرسول ص عصيان له؟ أم أن هناك إجازة زمنية حددها الرسول ص من بعده ينتهي فيها منع التدوين؟ أم أن حكاية ورواية حديث النهي مختلقة ولا صحة لها وكذب على الله ورسوله، تخرج من رواها من طائفة المؤمنين الصادقين لوصف أخر أقله العصيان والفسوق، وهذا الراوي والعامل بالحديث فاسق مثله ولا تصح عنه الرواية والحديث وبذلك تسقط طائفة كبيرة من الرواة والمحدثين من قائمة العدول ومن قائمة الصحابة؟ .
• والسؤال الأهم هنا والمحوري لو لم نتعبد بما ورد في الوحي الحديثي تماما/ هل يجزي الوحي القرآني بما يريد الله ويأمر به؟ أم تكون عبادتنا منقوصة وغير مجزية ويعاقبنا الله عليها؟ هذه الأسئلة وأجوبتها يمكن أن تعطي جوابا شافيا عن التساؤل الأول والأكبر وهو المثار دوما، هل الحديث عدل القرآن ومساويا له على أقل تقدير في حجية أحكامه؟، بمعنى هل الرسول قد شرع أحكاما وعبادات وأوامر ونواهي لم تذكر بالقرآن ولم يتطرق لها بنص أو قول؟ إن كانا لجواب نعم وقعنا في شبهة إشكالية الشرك بالله، وإن كان الجواب النفي فيكفينا كتاب الله عن الحديث وروايته وأعتباره المصدر الثاني للتشريع، فما جاء بالحديث لا يخرج عن كونه بأحسن الأحوال مجرد تفسيرات وتوضيحات للوحي القرآني دون أن تشكل لا أضافة ولا سدا في نقص تشريعي ولا إتمام لناقص من أمر الله بالوحي القرآني.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*. عمدة هذا النهي ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه)، وهو أصح ما ورد في هذا الباب .
وعن أبي سعيد قال " جهدنا بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لنا في الكتابة فأبى "، وفي رواية عنه قال "استأذنَّا النبي صلى الله عليه وسلم في الكتابة فلم يأذن لنا".
روى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش عن ذلك، وقالوا : تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكْتُ عن الكتابة حتى ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال ( اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق) .