الكتاب المبين وكتاب مبين دلالات ومقاصد


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 8127 - 2024 / 10 / 11 - 08:22
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

الحكمة والحكيم
حم مجهول المعنى معلوم الدلالة كل ما يمكن وصفه عن هذه الكلمة ومثيلاتها في القرأن، فهي معلومة الدلالة فيما يعرف الله، وما يعرف الله محكوم علينا بمعرفة دلالته كما هي لأن الله لا يدون ما في الكتاب بمجهول المعنى ومجهول الدلالة في آن واحد، المهم في الأمر أن الله يعلمها ويعرف كيف يستخدمها ونحن مسلمون له الأمر، أضاف النص هذا المجهول المعنى إلى معلوم المعنى والدلالة وقرن به، فإذا كلاهما في نفس درجة الذكر من حيث المعنى الإجمالي خاصة بعد أن اعقب { حمٓ (1) وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ} بوصف تعريفي أكثر تفصيلا، هنا نقرأ المعنى بعدة دلالات، منها:.
• {إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ} خاصة بالكتاب المبين وهو الراجح تقريبا عند غالبية دارسي القرآن.
• {إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ} خاصة بــ {حم} لا سيما عند الذين يعتبرون الآية 1 و 2 قسم.
• {إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ} اختص بكليهما وأنهما واحد أو على درجة واحدة من الأعتبار عند الله.
• {إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ} أي القرآن في أم الكتاب لدى الله علي حكيم بمعنى الجعل لا يخص الآيتين وهو كلام متأخر يشير لما بعده، وأن أم الكتاب أعظم من الــ {حم} وأعظم من {الكتاب المبين} وهو الرأي الأرجح عندي.
ما أم الكتاب؟
أم في الغة في المعنى الرئيس هو المقدمة التي تأتي بعدها المأمومات (أَمَّ / أَمَّ إلى أَمَمْتُ ، يَؤُمّ ، اؤْمُمْ / أمَّ ، أمًّا ، فهو آمّ ، والمفعول مَأْموم)، وكل شيء له أم أي ما قبله والناتج عنها أو منها (الوالدة ، وقد تطلق مجازًا على الأصول الإناث كالجدة)، وأم الكتاب هو ما ثبت حكما وتحكيما غي الكتاب دون أن تتغير أو تكون قابلة للتغيير حسب مفهوم القرآن بما يعني أنهن الآيات الجامعة المشتركة في كل دين، واللاتي لا يخلو دين منهن أو كتاب منهن مع التعدد (الآيات المحكمات الواضحات التي لا احتمال فيها {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}، وهذا يعني أن أم الكتاب هو الجوهر المستخلص الصافي الذي يكون الساق لشجرة الكتاب والأحكام والآيات الأخر فروع وأوراق لهذه الشجرة).
فيكون أستدلالنا على أم الكتاب مع تقديم المعنى وتأخيره أنه الجوهر الذي يؤم ما في الكتاب من آيات لمركزيتها وثبوتها المطلق، فمن يريد الكتاب المبين أي البين في كل شيء الذي لا فيه متشابه ولا فيه متحرك، عليه أن يبحث في القرآن العربي، لماذا لأنه في أم الكتاب الذي أصله من الله ومحفوظ عند الله أن جعله علي أولا فوق كل كتاب أخر لأنه في أم الكتاب وغي جوهره الثابت كذلك، وثانيا حكيم متصفا بالحكمة والحكم والمحكومية على غيره {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ}، إن أقتران الحكمة بالعلو أقتران مفاضلة فليس هناك في الوجود من "علي حكيم" غير الله والقرآن حديثه وكلامه للناس لأن علية وحكمة القرآن غير مستقلة بذاتها بل هي من علية وحكمة الله {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}.
تعريف الكتاب المبين
بين كتاب مبين وبين الكتاب المبين فارق بالمعنى وأختلاف بالدلالة، فالمعرف ليس كالنكرة المعرفة بنكرة أخرى فكتاي اسم نكره لكثرة الكتب ومبين صفة عامة مع كثرة الأوصاف التي يمكن الوصف بها، لكن كتاب مبين تم تعريفه بأجتماع النكرتين، فهو ليس أي كتاب لأنه موصوف ومعرف بالإبانة {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}، أما الكتاب المبين فهو المخصوص المخصص المعرف بالحصر على أجتماع معرفتين فلا مجال لنكرانه أو نكرته لذا يشار له دائما باسم الإشارة للتدليل عليه وحصره {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} و {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ}.
الفرق بينهما
الفرق بين الكتاب المبين وبين كتاب مبين ينحصر في النقاط التالية:.
• أين ما يذكر الكتاب المبين تذكر قبله الحروف المقطعة {الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} في سورة يوسف، {طسم ﴿١﴾ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} في الشعراء، {طسم ﴿١﴾ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} في القصص، {حم ﴿١﴾ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} في الدخان، وكذلك في هذه السورة.
• تأتيا دائما في أول السور قطعا ولم تأت في ما بعد الآية الأولى أبدا.
• عندما يأت لفظ كتاب مبين فيشار حتما إلى ما هو مدون في كتاب الخلق والنشأة والتقدير الأول الذي وضعه الله للوجود كتاب تنظيم وتأسيس {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}، وكذلك {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} وأيضا {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ۖ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ ۖ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}.
• إن تبيان الآيات لا علاقة لها بالكتاب المبين ولا بكتاب مبين، فهو نمط أسلوبي غي عرض آيا الله للناس وأحد أهم وسائل تقريب المعاني للعقل البشري، فليس كل آيات الكتابين بينات ومبينات، ولكن كل الآيات المبينات موجودة في الكتابين {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ۗ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، وأيضا {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.
• البيان والتبيين في موضوعه يتصل بالكتاب ككل، فكل ما في الكتاب عموما بين من وجهة نظر إجمالية، لكن ليس شرطا أن تكون كل آياته بينات تفصيلا، فالقرآن كتاب بين ومبين ككل أنه تنزيل من الرحمن الرحيم وفيه آيات منها بين ومنها متشابه، لكنه مع ذلك لا يمكن وصفه بدون كلمة مبين لأنه في مجمله كذلك {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ}.
إذا إدراك هذه الفروق المعنوية والموضوعية فيما يخص المحمول القصدي لكلمة مبين هي التي تفرق الكتاب عن كتاب وتمنح الصورة الذهنية المتولدة من النص الأفتتاحي لسورة قيمة أكبر من السائد في الأفهام العامة، ومنها نعرف أن ذكر المقدمة { حمٓ (1) وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ} يمكن أن تكون ترجمتها أو شرح معناها القصدي في نص { وَإِنَّهُۥ فِيٓ أُمِّ ٱلۡكِتَٰبِ}، أو في بيان { إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا}، فالحكمة تقتضي الرجوع إلى القرآن إذا أردنا أن نفهم الحاء والميم وعلاقتها بالكتاب المبين، فهما جوهر وشكل أو معنى وموضوع أو رمز وبيان.