لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 8125 - 2024 / 10 / 9 - 08:08
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

ما يمكن تعريف الشيء إلا بماهية منفردة به أو خاصية ملتصقه بوجوده أو ميزة تفصله عن بقية الأشياء، في التعريف الأول الماء هو شيء سائل من ضمن السوائل العديدة التي توجد في الوجود، فلا يمكن تسمية كل السوائل بالماء لأنها جميعا تشترك بالسيولة، ولا يمكن تسمية المائل بالسائل لتميزه عن غيره، فالزيت سائل والحليب سائل ولكننا لا يمكن أن نميز الماء من بين السوائل إلا بماهيته، أما من حيث التركيب الكيميائي وهو ذرتين من الهيدروجين وذرة أوكسجين، أو من خلال خصائصه الفيزيائية فالماء لا طعم له ولا لون مجردا، فالماء شيء منفرد إذا تطابقت الماهية الموصوفة له، أما التعريف الثاني خاصية ملتصقة به فحجر المغناطيس شيء مستقل بالرغم من أنه يشترك مع المعدن الحديد لكنه له خاصية ملتصقه به إذا فقدها لم يعد يسمى مغناطيس، أما التعريف الثالث، فالجمل حيوان من المجترات لكنه شيء مستقل عنها لميزة ينفرد بها كونه يتحمل العطش، هذه الأمثلة التقريبية لبيان معنى الشيء وهو تحميل هوية خاصة، فكل شيء في الوجود هو موجود بشيئيته الخاصة أي بهويته الخاصة، وهناك أشياء معنوية في الوجود وأيضا لها شيئيتها وماهيتها الخاصة مثل الحب والفرح والحزن والهم، إذا كل من كان شيئا له تسمية خاصة به.
هناك أشياء تتشابه في عمودها المعنوي أو في عرضها الموضوعي، الفرح والحزن أشياء مشتركة تحت عنوان الأحاسيس والمشاعر، والإنسان والحيوان والنبات لهم مشترك شيئي وهو الحياة والموت، والأحاسيس والكائنات الحية والجماد تشترك بمعنى واحد هي كائنات مخلوقة وينطبق عليها قانون الوجود وقواعد البقاء والتحول، هناك أشياء نعرفها لكنها ليست في الوجود لأننا نعرفها صور ذهنية ولكن لا مصداق مادي أو حسي لها، منها رحمة الله منها الجنة والنار هذه الأشياء نقر بها بناء على أعتقادنا بمن أخبرنا بها، فهي أشياء حسب التعريف ولكنها أشياء تصورية قد تتحقق عندنا يدركها الإنسان حسا، المهم في الموضوع أن الأشياء ماهيات ومتشابهة في مصفوفات كلما أعتلينا المصفوفة تحد في قمة الهرم أن الوجود المادي شيء واحد وهو الكون أو الخلق المكون بأجمعه أسمه الوجود شيء واحد، عندما يقول الله واصفا نفسه أنه ليس كمثله شيء فهو ينفي في جملة واحدة المماثلة التطابقية بين الأشياء جميعها من أعلى هرم الشيئية إلى أصغر تفاصيل المصفوفة وفي أخر قاعدتها معه لا بالماهية بجميع تركيباتها أو تكويناتها، ولا في التسمية أو الهوية أو التسمية، وبذلك أنفرد بنفسه في شيء لا ينتمي لمعنى الأشياء ولا يماثلها وهذا هو معنى كونه واحد وأحد لا ثاني له وإنه أمتلك ما في الوجود من أشياء لأنها بديع صنعه.
هذا الشيء هو الذي جعل كل الموجودات أشياء تتبعه وهو من يتحكم بها بقوانين الخلق والنشأة وأيضا من أعلى هرم المصفوفات للقاعدة، من خلق السموات والأرض الكائنات الحية التي جعلها من زوجين، أي أنه هو الذي شَيَأ الأشياء وقدر لها نظامها وهو الأعلم بها {فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ أَزۡوَٰجٗا يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِۚ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ (11) لَهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ (12) ۞}، ثم شرع الدين بعد ذلك، فالدين في الحقيقة هو المعرفة وجوديا، فما من دين جاء إلا وهو يعرف الإنسان بما حوله بدأ من الشيء الذي ليس كمثله شيء ونزولا إلى كل الأشياء التي جعلها الله أشياء {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}، من تلك اللحظة التي علم فيها أدم الأسماء أصبحت المعرفة دين الإنسان، وهذا هو تحديدا ما شرع الله للبشر من بعد أدم إلا التعاريف، تعريف الوحدة والتوحيد الإيمان العدل الصلاة الإحسان الجنة والنار، لقد عرف الأشياء بماهياتها الحقيقية التي على الإنسان معرفتها وإدراكها ليسير أمنا في الوجود صالحا ومصلحا، هناك من عرفها وأدرك ما تعني تلك التعاريف وأمن بها، وهناك من أنكرها وتجاهل التعريف فضاع وتاه بين الأشياء يخلط هذه بتلك {شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِۚ ٱللَّهُ يَجۡتَبِيٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ (13)}، الدليل الذي يؤكد ما توصلت له هو في هذه الآية { كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِۚ}، فالدعوة هنا ليست طلب فقط بل هي معرفة ما في الدعوة من أشياء لا بد أن تعرف على حقيقتها كاملة، وأن التفرق الذي أصاب البشرية لم يأت قبل التعرف على التفاصيل التي يريدها الله، بل بعد أن عرفها وعلم بها {وَمَا تَفَرَّقُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى لَّقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ (14)}، لقد ورث الإنسان الكتاب "المعرفة الكاملة" ضائع بين الشك والريبة وبين اليقين والإيمان { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}، فالكفر عند الله هو الكفر بالمعرفة الكفر بالعلم بما في الكتاب، لذلك أوصى الله الرسل بالأستمرار بالدعوة أولا لمكافحة النسيان عند البشر وهي طبيعة تكوينية له، وتذكيرهم دوما بما يعرفون ولا يعرفون، وثانيا حتى لا يقول أحد أني لم أعرف ولم يعرفني أحد فلماذا أوصف بالكفر {فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ (15)}، وأيضا من كون الدين معرفة فقد حاججهم الله وبين لهم وعرفهم حدود الله فأستجابوا لأنهم عرفوا، ومن يعرف بعد ذلك لا حجة له مع الله {وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِيبَ لَهُۥ حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ وَلَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٌ (16)}.