علة التأخر في بناء واقع جديد


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 8070 - 2024 / 8 / 15 - 20:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

يكتب لي أحدهم أن الإكثار والإفراط في محاولة تصحيح عقائد الناس لا تبني مستقبل ولا تعيدنا إلى الطريق الصحيح الذي سارت عليه الأمم ليكون لها وجود حضاري، من الأفضل ترك هذه المحاولة والتركيز على ترميم الشخصية الأجتماعية وإعادة تموضعها على طريق التحرر، طبعا هذا الكلام جميل ويدغدغ مشاعر الكثير من العقول التي أتعبها تخلف الواقع، كما أنها تتوافق تماما مع طروحات البقاء على ما هو الحال لأنه ليس بالإمكان تحقيق أفضل مما كان، وهو منهج الكهنوت الديني ويلتقي معه في النهاية، لأن تنفيذ هذا الكلام لا يؤدي إلى نتائج حقيقية تنفع أو تحقق الهدف المعلن، ولأن ذرائعها واهية وتصورها طوباوي، ولهذا السبب فإن رجال المعبد لا يقفون ضدها ولا يعارضون ترويجها طالما أنها تنتج عن شبهة ووهم.
تسألني كيف تحصلت لك هذه النتائج؟ سأقول لك إن نظمنا الفكرية والسياسية والثقافية قائمة على تراكم عقائدي عبودي تأصل في الشخصية الفردية، ونتج عنه ثقافة العبودية في اللا وعي منذ أن ينشأ الإنسان حتى يموت، مثلا في النظم الأسرية أنت مضطر لأن تخضع لتقاليد العائلة منذ أن تعرف أن لك أب يجب أن تطيعه بكل شيء أخطأ أو أصاب، لا مجال للنقاش معه ولا مجال حتى أن تتحاور العائلة في موضوع يخص فرد منها، لأن سلطة الأب هنا تقديرية أو تقريرية في التربية والتحكم، أما إذا كان الأمر يخص بنت أو أخت فالموضوع عند الأم فقط، لأنها المختصة بالواقع والتجربة، أي نقاش أو حوار في الموضوعين "عيب" ويمس كرامة الآب والأم والتي هي أهم من مستقبل الفرد والعائلة، الحالة المعاكسة أو الضدية منها فلا تخرج من أن تكون أما تمرد مدمر للعلاقة، أو تفكك في الأسرة وهنا السبب أن البعض من الأسرة يعتقد أن الخضوع لقرار الأب والأم يعتبر عيب أو إهانة له كفرد.
من هنا بحدود الأسرة الصغيرة مثلا إلى مجال وحدود الأسرة الكبيرة، الشيخ أو زعيم القبيلة أو حتى رئيس الدولة وبموجب ما تقدم فهو رأس الحكمة وموجهة المجموعة بما أصطفاه الله كما يظن من حكمة وتدبر، وبالتالي فهو حكيم حين يحكم... فإن أخطأ علينا إلتماس العذر وقبول التبرير الديني له فسبحان من لا يخطئ فحتى الأنبياء تخطأ، وإن أصاب فذلك من تسديد الله له ودعمه القوي الدائم، لأنه ينفذ ما يفكر به الله، وفي الحالين علينا أن نمضي ما أمضاه ولو كانت النتائج ليست ذات قيمة، لأننا أمنا أن الصبر خير ومن صبر ظفر وأن في العجلة الندامة، وأنتظار العواقب التي هي بيد الله أفضل الفضائل، وأن الله هو من كتب علينا أن تمضي الأمور وفق المرسوم، وكيفما تكونوا يولى عليكم وأنتهى النقاش.
هذه الأخطاء الكوارث ليست من أخطاء العقل الطبيعي ولا هي تتفق مع عملية النظام والتنظيم الأجتماعي المنطقي اللازم أصلا، فهي نتاج العبودية التي راكمها قبولنا وإيماننا بدور رجل الدين الذي سخره أهل السلطة والقوة لبناء منظومة العقائد العبودية، وفكرة الأستعباد وأنشأوا أجيالا من البشر مؤمنين بأن رجل الدين هو المراسل الصحفي لله، الذي ينقل أخبار الرب مباشرة من معتزله ومنفاه الأختياري، لأن الرب كما يقولون أصابه الخرس منذ أن قطع الخليفة لسانه وقص شفتيه، ولم يعد يتكلم خوفا من أي ملك أو سلطان أو حتى شيخ عشيرة أن يقطع له شيء أخر، فأحتبس الرب نفسه في مكان قصي لا يتدخل ولا يقبل الحديث مع أحد، وخول كل صلاحيته لشيخ دبس وملا راشي ليسيروا أمر البلاد والعباد.
فعندما يبدأ الفرد في محاولة فهم ما يجري يتذكر كل هذا خوفا من العيب والحرام والنار التي يملك مفاتيحها حجي فلان وشيخ علان والوزير كشمش والقاضي السمين ومن ورائهم السلطان ظل الله على الأرض، مفاهيم الحرية تقود للتهلكة دوما لأنها تولد فوضى كما يقول الكهنة، فليفسد السلطان فالله من يعاقبه، وليقتل ما شاء من البشر فهناك الجحيم الذي ينتظره بعد مليون سنة، أما أنا المظلوم والمسروق والمقتول فعليه أن أفرح بدلا من ذلك، لأن حجة الإسلام وشيخ الطائفة وإمام الحرمين بشرني أن أغلب سكان الجنة هم من المظلومين، أو كما تقول الست زهرة من مصر "يا بخت من نام مظلوم ولا نامش ظالم"، الله الله الله بقادتكم وأمراءكم لا تقولوا في وجههم أنكم مخطئين حتى لو ناكوا الأمة أمام أعينكم، وسرقوا ليس مالها وذهبا فقط بل حتى شرفها فهم مخولين من الله، أن تصبروا فالله عنده الميزان ولا يتركهم بلا عقاب، ما عليك سوى أن تذهب إلى زوجتك لتفرغ نكد الدنيا فيها وكفى الله المؤمنين القتال.
إذا نحن تحت سطوة مفاهيم دينية راسخه تصنع في وعينا ولا وعينا العبودية والظلم والقبول به لأننا فهمنا الدين ليس من الله، بل من سرق حق الله في الطاعة لنفسه وحل محله على منبر الطاعة والموالاة، أننا أبناء ثقافة إذا رأيت الشيخ يزني لا تقول الشيخ زنى بل عينيك هي التي زنت وعليك أن تقيم عليها الحد وتقطع لسانك من "لغاليغو" كما يقول الفقيه المجتهد عادل إمام، لأنه عيب وجريمة ضد الله والدين أن تفضح الشيخ، ولكن الشيخ من حقه أن يفضحك ويلعن سالف أسلافك فهو على حق دوما، فهو يد الله وعينه وعقله وبصره وربما حتى عضوه الذكري، الذي يجب أن يدخله في أستك وأستي وأست كل مؤمن ومؤمنة.
يا سيدي ما لم نقطع يد الملا والشيخ عن دين الله فنحن ساديون مع الغير ومازوشيون مع أنفسنا وهذه الحقية التي يجب أن نواجها لنعيد ترتيب أوراقنا من جديد.